Lebanon On Time –
في الثامن عشر من كانون الأول ٢٠٢٢، جرت انتخابات مفتي المناطق للمسلمين السنة في لبنان، وفاز في طرابلس الشيخ محمد طارق إمام مفتياً للمدينة بنسبة ٦٦.٤٠ بالمئة. أشهر معدودة مرت على هذه الانتخابات جعلت الناس يلتفتون إلى هذه المواقع ويتابعون مع المفتين الإنجازات والصعوبات التي تواجه عملهم في ظل الأزمة الخانقة التي تضرب لبنان وتشل مؤسساته.
أردت أن ألقي الضوء على طرابلس، العاصمة الثانية للبنان، لما لها من أهمية كبيرة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عند جميع اللبنانيين. كما وددتُ أن أتعرف إلى آراء سماحة المفتي «الجديد» في قضايا إسلامية ووطنية مهمة. المفتي إمام ليس جديداً بالطبع على المؤسسة الشرعية الإسلامية فهو كان يشغل سابقاً منصب «أمين الفتوى» في دار الفتوى بطرابلس. جرى اللقاء مع سماحته في مكتبه.
– سماحة مفتي طرابلس الشيخ محمد إمام، أنتم تشغلون المنصب الديني الأول في المدينة منذ أشهر قليلة، وتعملون على مشروع تفعيل تحصيل الواردات المالية من الأوقاف في طرابلس والشمال، ودعم العلماء والمشايخ الذين يعانون كغيرهم من ضائقة معيشية كبرى. أين أصبحتم في هذا المجهود؟
-الحمد لله قطعنا شوطاً كبيراً في عملية التحصيل، بعد أن قسمنا ملفات المستحقات إلى أقسام. فمنها ديون تسمى هالكة، ومنها ديون عالقة في القضاء عملنا على إيجاد تسويات مع أصحابها، ومنها مستحقات سجلت على أنها ديون في ذمم المستأجرين بسبب سياسات إدارية سابقة وتبين أنها ليست كذلك. كما فعّلنا التواصل والمتابعة مع المستأجرين مما انعكس إيجاباً على التحصيل، إضافة إلى تذليل بعض العقبات البرمجية التي كانت تصعب استيفاء التحصيل. كل ذلك مكننا من دعم الرواتب في دائرة الأوقاف.
– سماحتك نحن نعلم أن وضع لبنان كله في انهيار اقتصادي واجتماعي بل سياسي كذلك، لكن طرابلس هي أكثر المدن اللبنانية والمتوسطية معاناة. ماذا تطلبون من الدولة أن تعمل لأهل المدينة والشمال
خصوصاً وأن رئيس الحكومة اليوم هو طرابلسي؟
– معاناة طرابلس ليست وليدة اليوم ولا نتيجة الأزمة الحالية، بل تعود إلى تراكم مزمن في تهميش إنماء المدينة وتفعيل مرافقها المختلفة، وهذا من غياب رعاية الدولة للمدينة على مدى عقود حتى أقفل عدد كبير مما كانت تضمه طرابلس من مؤسسات تجارية وصناعية وأسواق مزدهرة، وتراجع مستوى التعليم وزاد التسرب المدرسي، وتهالكت البنى التحتية فيها دون تحديث أو صيانة، ولم تبصر كثير من المشاريع فيها النور كمشروع معمل التكرير وغيره. وباتت طرابلس مدينة شبه معطلة خالية من الحركة قبل أن يخيم المساء، وهذا لا يليق بالعاصمة الثانية بما تملك من مقومات يمكن أن يستفيد منها الوطن بكامله.
على الصعيد الإنمائي، شاهدتُ بأم العين تراخياً في رفع النفايات في المدينة وإهمالاً واضحاً في عدد من المشاريع. هل يستطيع أفراد أو جمعيات في المدينة القيام محل الدولة والبلدية في تحسين المنظر العام ورفع المعاناة عن المواطنين؟
– تقوم كثير من الجمعيات وكذلك كثير من المبادرات بتحسين منظر الشوارع وإضاءتها ليلاً. وهناك تجاوب وتعاون ملحوظ من المواطنين والمحال التجارية في هذا المجال والحمد لله. وفي ظل غياب الدولة يتكاتف الناس ويندفعون بحسب إمكانياتهم المحدودة لتخفيف الأزمة والمساهمة في تحسين الأوضاع، وهذا مشهود له في هذه المدينة بأهلها الطيبين، الذين كانت لهم تقديمات ومبادرات كبيرة في الشأن الاجتماعي أيضاً.
– يتخوف البعض على طرابلس من أن تكون الخاصرة الرخوة في أي احتكاك أمني أي أن تكون «صندوقة بريد» في السياسة بطابع أمني. هل ترى أن هذا الأمر ممكن الحدوث؟ نرى مؤخراً اشتباكات توصف بالفردية لكنها تولد قتلى وجرحى وتبث الرعب في نفوس الناس. كيف تُحمى طرابلس والشمال؟
– الحوادث التي تقع في المدينة لها طابع فردي ومحدود، وهي حوادث منعزلة لا يمكن وصفها بالفلتان الأمني أو الفوضى الأمنية، خصوصاً وأن الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش لا تدخر وسعاً في التعامل معها وتطويقها وملاحقة المرتكبين. وهنا نوجه نداء إلى الأجهزة والقضاء أن لا يتراخوا مع أي شخص أو جهة تخل بالأمن و«تستهون» إطلاق النار والاعتداء. فالحكم هيبة والقضاء زاجر. «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب».
– أنا أعرف سماحتكم، أنكم لا تفاضلون اسماً على اسم في موقع رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. لكن ما هي المواصفات التي ترونها في الشخصيتين المطلوبتين؟
– نطمح أن نرى رجال دولة يقدمون مصلحة بلدهم العليا على كل حسابات أخرى، يتمتعون بقدرة التعامل والتعاون مع كل المكونات في الداخل، ويحسنون نسج أفضل العلاقات مع الخارج ، ويفرضون النظام على المؤسسات الرسمية في الشفافية والكفاءة ، ويضبطون الهدر في المرافق والحدود لتصب مقدرات البلاد في خزينة البلاد وليس في جيوب الأفراد والمنتفعين.
– موضوع حساس جداً دائماً يطرح «في المناسبات» هو موضوع الموقوفين الإسلاميين. أين أصبحت الاتصالات في هذا المجال. وما هي العوائق الني تؤخر إنجاز إطلاق الأبرياء منهم أو الذين أتموا مدة محكوميتهم؟
– الموقوفون الإسلاميون قضيتهم عار على القضاء المعني بهذا الملف، لما فيه من مظلومية واضحة وازدواجية المعايير. على القضاة المعنيين تحكيم ضمائرهم ومحاكمة الموقوفين وإطلاق الأبرياء ومن قضى أكثر من مدة حكمه المتوقعة وهو رهن التوقيف، لا يجوز استمرار هذا الوضع، إنها وصمة عار.
– أخيراً سماحتك، هل ترون انقشاعاً قريباً لهذه الأزمة المخيمة على لبنان؟
– إن شاء الله الفرج قريب وعوامل انقشاع الأزمة تتنامى مترافقة مع اشتدادها، لكن لا يجوز أن تأتي الحلول على حساب المواطنين ومدخراتهم المالية بأي حال من الأحوال. والتفاهمات الخارجية عوامل مساعدة جداً في الحلول، لذلك نحن متفائلون، وعلى الشعب أن يكون أكثر حضوراً وأكثر قدرة عل التأثير في مسؤوليه.