تحت عنوان “مشروع مرسوم لخفض تعرفات الانترنت: التخلّص من الشركات الصغيرة” كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”: تستعدّ وزارة الاتصالات لإصدار مرسوم يقضي بخفض تعرفات الانترنت وزيادة سعات المشتركين وخفض أسعار خطوط الـE1 لمقدمي الخدمات الكبار بغية إخراج بعض الشركات الصغيرة، التي رُخّص لها أخيراً، من السوق. الحجة وراء هذا القرار هي إزالة مخلّفات وزير الاتصالات السابق بطرس حرب، والمدير العام السابق للاستثمار والصيانة في الوزارة عبد المنعم يوسف، اللذين حبسا فائض السعات المتاح ورخّصا لعشرات مقدمي الخدمات ممن لا تتّسع لهم السوق، ما ساهم في توسيع سوق الانترنت غير الشرعي، إلا أن لهذا القرار تداعيات تقنية على شبكة الاتصالات المتهالكة والمنافسة في السوق.
تم إخراج عبد المنعم يوسف من إدارة قطاع الاتصالات، لكن الإرث الكبير من الفشل والمشاكل التي تركها يجثمان على كاهل هذا القطاع. فالانترنت اليوم في أسوأ حالاته؛ بنية تحتية متهالكة تنتج خدمات رديئة وتخلق قطاعات موازية غير شرعية فيما الأسعار في مستويات باهظة.
انطلاقاً من هذا الواقع، بدأت وزارة الاتصالات السعي نحو إجراء تغييرات في بنية السوق تتم عبر خطّين متوازيين:
ــ الأول يتعلق بإعداد مشروع مرسوم يقضي بخفض تعرفات الانترنت للمشتركين وزيادة سعات الاستهلاك، واعتماد تعرفة تنازلية لخطوط الـE1 التي تستعملها شركات مقدمي الخدمات لتزويد المشتركين بخدمات الانترنت. وبحسب المعلومات، تقترح الوزارة اعتماد أسعار تنازلية بحيث يرتفع سعر خط الـE1 كلما كانت الشركة تستخدم خطوطاً أقل وينخفض كلما كانت تستخدم خطوطاً أكثر. وبالتالي سيكون سعر الشركات الكبيرة أدنى من السعر للشركات الصغيرة.
ــ الثاني يتعلق بتسلم المرحلة الأولى من شبكة الفايبر أوبتيك المنفذة منذ سنوات وغير المشغلة حتى الآن، وربط كبار المستهلكين بها، أي أكثر من 350 نقطة (تضم شركات الخلوي، الجيش، الجامعات، الصحف، المستشفيات، المصارف…)، والعمل على المرحلة الثانية من الشبكة التي تتيح للأفراد والمؤسسات الاستفادة من سعات أكبر وسرعات أعلى.
بحسب المعطيات المتداولة بين أوساط العاملين في هذا القطاع، فإن مشروع خفض التعرفات المقترح يستند إلى مبررات متصلة بتداعيات الحقبة السابقة على السوق. فمنذ سنوات كان هناك 16 مقدم خدمات انترنت، إلا أن العدد ارتفع إلى أكثر من 110 شركات أيام الوزير بطرس حرب والمدير العام للاستثمار السابق عبد المنعم يوسف، وهذا الرقم يفوق كثيراً قدرة السوق على الاستيعاب، برأي القيمين الجدد على إدارة الوزارة. الترخيص لعشرات الشركات أغرق السوق فيما كان يوسف يشدّ الخناق على توزيع السعات الدولية، ما أدى إلى توسيع سوق الانترنت غير الشرعي وانخراط بعض الشركات المرخص لها في أيامه، في عمليات تهريب الانترنت من قبرص وتركيا وبيعها في لبنان بشكل غير شرعي، وهو ما فوّت على الخزينة ملايين الدولارات.
في اعتقاد الكثير من العاملين في هذا المجال، أن هذا الواقع يدفع إلى خطوة في الاتجاه المعاكس، أي في اتجاه المواءمة بين القدرة الاستيعابية للسوق وبين إمكانات الشبكة. ولذا، اتخذت وزارة الاتصالات قرارها في شأن تعرفات السعات الدولية بشكل متواز مع تشغيل شبكة فايبر أوبتيك.
خلفية هذا القرار أن خفض تعرفات الـE1 سيؤدي إلى زيادة الطلب الاستهلاكي فيما الشبكة غير قادرة على استيعابه، وبالتالي فإن تشغيل المرحلة الأولى من شبكة الفايبر أوبتيك سيلبي جزءاً من متطلبات الاستهلاك، على أن تلحقها المرحلة الثانية خلال فترة لا تتجاوز سنة ونصف السنة. إلا أنه ستكون لهذا القرار نتائج مختلفة على بنية السوق إذ أن خفض تعرفات السعات الدولية فوق سقف محدد لخطوط E1 لكل شركة سيؤدي تلقائياً إلى تقليص عدد شركات مقدمي الخدمات، ولا سيما الصغيرة.
وقد أثار هذا القرار اعتراض عدد من الشركات التي رأت أن نتائجه غير مدروسة لا تقنياً ولا سوقياً. فهو سيؤدّي إلى تعزيز حضور شركات كبيرة على حساب الأخرى. الشركات التي تملك الإمكانات المالية والانتشار الجغرافي ستزداد قدرتها التنافسية من خلال استئجار مئات الخطوط الإضافية بالتعرفة المتدنية، ما يخفض كلفتها ويحقق لها المزيد من الأرباح. أما الشركات الصغيرة التي لديها طلب محصور جغرافياً، ولديها قدرة مالية محدودة، لن تتمكن من مجاراة الشركات الكبيرة، وستكون كلفتها أعلى من غيرها ما يحدّ من قدراتها التنافسية. وبحسب مصادر تجارية، فإن الاكثر استفادة من هذا القرار هي الشركة التي تملكها مجموعة الحريري، أي شركة IDM – cyberia. فهذه الشركة تملك حصّة سوقية وازنة ولديها القدرات المالية والتقنية والانتشار الجغرافي ما يجعلها قادرة على زيادة حصّتها بسهولة في حال خفض كلفة خطوط السعات الدولية.
واللافت أن زيادة عدد مقدمي الخدمات في السوق سابقاً، جاء متزامناً مع تقنين في تأجير السعات الدولية. خلال ولاية يوسف كان الطلب على استئجار خطوط الـE1 يبلغ 200 جيغابيت، فيما كانت موافقات يوسف تلبي 60٪ من هذا الطلب كحدّ أقصى وسط تبريرات بأن هذا السقف هو الحدّ الأقصى للسعات المتوافرة للبنان استعمالها من الخطوط البحرية. المفاجأة كانت في اكتشاف وجود سعات تبلغ 1500 جيغابيت، أي ما يعادل 705 أضعاف الطلب السوقي. كلفة كل خط تبلغ 1.5 مليون دولار شهرياً، أما الربح الفائت من تشغيله فهو يقدر بالملايين. بعض التقديرات تشير إلى أن الهدر بلغ في تلك المرحلة 100 مليون دولار سنوياً، أي نحو 500 مليون دولار خلال خمس سنوات.
في المقابل، يعتقد بعض العاملين في قطاع الاتصالات، أن تشغيل شبكة فايبر أوبتيك لن يكون له أثر كبير على زيادة قدرة الشبكة في استيعاب الطلب الناشئ عن خفض السعر. وتفضل هذه المصادر أن تصف الوضع على النحو الآتي: إن خطوط الـE1 هي عبارة عن أوتوستراد تمرّ فيه الانترنت، وتشغيل عدد كبير منها، يعني أن عدد السيارات التي ستمرّ على هذا الأوتوستراد سيكون أكبر فضلاً عن أنه لا يوفّر السرعة المطلوبة. الشبكة في حالة رثّة، لأن المشتركين يحصلون على الانترنت بواسطة كابلات نحاسية قديمة العهد ومضى عليها الزمن. يجب الاطلاع على تركيبة الشبكة قبل أي شيء. هذه الشبكة هي عبارة عن كابلات بحرية تؤمن السعات الدولية، وهي مربوطة بالسنترالات حيث تخرج الكابلات النحاسية. وبالتالي فإن تحديث الشبكة هو الذي يبقي الطلب قابلاً للتغطية بالجودة المطلوبة. طبعاً مشروع الفايبر أوبتيك يمكنه أن يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه، إلا أن المرحلة الأولى منه لم يبدأ تشغيلها بعد وهي تربط عدداً محدوداً من المشتركين وإن كانوا من كبار المستهلكين. وتمديد كابلات فايبر أوبتيك إلى المستهلك النهائي يتطلب وقتاً طويلاً، وهناك مشروع لتمديد هذه الكابلات إلى الكابينات في الشوارع الأساسية لكنه مشروع يتطلب وقتاً أيضاً، وهو ليس حلاً نهائياً بل هو حلّ جزئي لأن الكابينات في الشوارع ستكون موصولة على الشبكة النحاسية القديمة.
الوصفة البديلة
برزت بعض المخاوف من أن تكون الخطوات الأولى لوزير الاتصالات جمال الجراح، تحت عناوين تصحيح الخلل في قطاع الاتصالات وتحديث الشبكة وتوسيع قدرتها لتحسين كفاءة الخدمات واجتذاب استثمارات إضافية في القطاع، هي مجرّد خطوات شعبوية توحي أن هدفها التملص من تركة عبد المنعم يوسف، ومظاهرها الأوضح في هدر المال العام وخلق الانترنت غير الشرعي. إلا أن السياق الذي يجرى العمل عليه يرمي إلى خلق بديل من يوسف هو نبيل يمّوت، مستشار وزير الاتصالات الحالي، الذي يحظى بمكانة خاصة لدى رئيس الحكومة سعد الحريري ومدير مكتبه نادر الحريري. القلق من أن تكون هذه الخطوات الشعبوية هي مقدمّة للصفقات الكبيرة في القطاع.
(محمد وهبة – الأخبار)