أسعد بشارة – نداء الوطن
لا يمكن الحكم على ما جرى أمس في مجلس النواب من زاوية واحدة. فالجلسة النيابية الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية رسمت ملامح التوازنات الحقيقية في المجلس النيابي، هذه التوازنات التي كادت أن ترسو في المحطات السابقة على أكثرية واضحة لـ»حزب الله» وحلفائه، عادت واهتزت صورتها، بنتيجة ضبابية، لا تؤكد حصول اي طرف على أغلبية واضحة، ولا تسقط عن اي طرف امكانية ان يقفز بمجموع نوابه الى ما فوق الـ 64 نائباً، وإن كانت تعطي أرجحية للكتل والنواب الذين سيبقون خارج تأثير «حزب الله»، بأن يؤمنوا اكثرية، معبرها الاجباري الاتفاق على مشروع واسم يحمل هذا المشروع.
لم يكن الاتفاق على اسم النائب ميشال معوض حدثاً عادياً. نال معوض تأييد كتل الاحزاب الكبيرة من القوات اللبنانية الى الكتائب الى الحزب التقدمي الاشتراكي، ولكل من هذه القوى اسباب مختلفة حدت بها الى اختيار معوض، ابن الرئيس الشهيد رينيه معوض، الذي باغتياله اغتال النظام الامني اتفاق الطائف أو كاد.
انطلق معوض في الرحلة الى بعبدا، في طريق مدروس آمن وصعب، بطريقة الخطوة خطوة. أسس هو وزميله أديب عبد المسيح، مع ركنين سنيين هما النائب اشرف ريفي والنائب فؤاد مخزومي كتلة تجدد، فكانت الكتلة جسر عبور كسر طابع الترشح الى الرئاسة بخلفية أن هذا الموقع للموارنة بل لجميع اللبنانيين. ومن كتلة تجدد جدد معوض صلاته المتينة القديمة الحديثة مع حزب «القوات اللبنانية»، فكان التأييد القواتي لترشيحه نتيجة طبيعية، لتوفر المواصفات المطلوبة في شخص المرشح وتاريخه وبروفيله المسيحي والوطني. أما مع الكتائب فقد تم تجاوز بعض العثرات غير الاساسية في العلاقة، وتبنت الكتائب ترشيحه، لنفس الاسباب التي حدت بـ»القوات»، والحصيلة أن معوض نال تأييد حزبين مسيحيين رئيسيين، وهذا ما يعطي ترشيحه مناعة تؤهله للاستمرار بالترشيح، طالما كانت المعارضة في موقع الداعم له.
أما عن دعم الحزب التقدمي الاشتركي لهذا الترشيح، فكان قد تبلور منذ فترة ليست ببعيدة، واتخذ الاشتراكي قراراً بدعم معوض، خلافاً لما توقعه البعض بأن وليد جنبلاط سيسلف «حزب الله» موقف الورقة البيضاء، ما اعطى الترشيح بعداً مثلث الاضلاع، مكرساً اياه كمرشح للمعارضة قادر على التأسيس لكتلة من الاصوات يمكن أن تتطور اذا ما اعاد التغييريون النظر باستراتيجية عملهم.
لقد شكلت الجلسة البروفة امتحاناً لجميع القوى ولكن الاختبار الذي مرت به المعارضة كان الأكثر حضوراً. 36 صوتاً واضح المعالم، واجهت بها المعارضة، 63 صوتاً سلبياً، كانت تعبيراً عن ازمة لدى «حزب الله»، الذي اضطر الى العودة الى سياسة افقاد النصاب واختطاف الاستحقاق الرئاسي، والتمهيد للفراغ المديد.
خلاصة ما انتجته الجلسة النيابية، امساك رئيس المجلس نبيه بري وبالتالي الثنائي بمفتاح المجلس النيابي والاستحقاق الرئاسي، وهذا الاحتجاز مرشح لأن يطول الى ما بعد 31 تشرين الأول، اي الى التوقيت الذي يستطيع فيه الحزب أن يرتب بيته الداخلي وأن يوائم بين هذا الترتيب ومصلحة ايران في الافراج عن هذا الاستحقاق.
الخلاصة بالنسبة للمعارضة أنها اختارت مرشحاً يفترض أن يحظى بمزيد من تأييد الكتل والنواب، وأن هذا المرشح أجبر المرشح الرئيسي لـ»حزب الله» الوزير سليمان فرنجية على الطلب من جميع حلفائه عدم وضع اي ورقة باسمه في الصندوق، كي لا يظهر في نهاية التصويت أن غريمه الزغرتاوي تفوق عليه بعدد كبير من الأصوات. الخلاصة أيضاً تفيد بأن جهداً اكبر يجب أن يبذل خصوصاً مع النواب السنة، لتصحيح البوصلة، وعدم رمي الاصوات في سلة العبث.