سقوط الرقة مسألة وقت، لكن ما يحدث بعد ذلك، أكان في المدينة أو على الساحة السورية فمسألة تحمل كل التعقيدات وتداخل المصالح الإقليمية.
يعتبر الأميركيون أن قوات سوريا الديموقراطية والمتعددة الأعراق، شريك جيّد في المعركة ضد داعش بحسب في وزارة الخارجية الأميركية عندما تحدث الى العربية.نت، وأبدى أمله في أن يعود أبناء المدينة إليها بعد تحريرها.
ينظر الأميركيون الى مرحلة ما بعد داعش في المدينة، بمشابهة ما حدث في مدينة منبج حيث شكّل السكان مجلساً للحكم المحلي يسيّر شؤون المدينة وقد التزم الأميركيون بتقديم مساعدات للمدينة مثل نزع الألغام والحصول على مياه الشرب وبعض الخدمات الضرورية.
تركيا تشترط خروج الأكراد من الرقة
تبدأ تعقيدات الموقف في الرقّة من جهتين. أولاً تركيا، ففي حين ستكون حكومة أنقرة سعيدة بمغادرة اللاجئين أراضيها وأن يعودوا الى مدينتهم، اشترط الأتراك على الأميركيين خروج كل الأكراد من المدينة فور تحريرها، كما طلبوا أن يعيد الاكراد وقوات سوريا الديموقراطية الاسلحة الثقيلة التي تسلّموها من الأميركيين.
ليس هناك اعتراف رسمي اميركي بهذا الاتفاق مع الاتراك، لكن الانطباع ان البنتاغون وافق على هذا الشرط الذي وضعه الرئيس التركي طيب رجب أردوغان. فالرئيس التركي لم يتمكّن من التوافق مع الاميركيين على خطة لتحرير الرقّة بمساعدة قوات تدرّبها تركيا، وأكد للأميركيين مرات عديدة، بما في ذلك خلال لقائه الرئيس الاميركي دونالد ترمب الشهر الماضي، انه لا يمكن محاربة الارهاب من خلال تنظيم ارهابي ويقصد هنا “وحدات حماية الشعب” ويعتبر ان هذا التنظيم هو ذاته تنظيم حزب العمال الكردستاني.
الأهم من كل هذا إن تركيا أبلغت الأميركيين أنها ستضرب الأكراد السوريين في الرقة، في اعادة لسيناريو منبج، كما انها ستضرب وحدات حماية الشعب “واي بي جي” المنتشرة في سوريا لو وقع اي هجوم اعتداء من قبل الاكراد على اراضي تركيا.
مخاوف من تسليم الرقة للنظام
التعقيد الثاني في الرقة يأتي من تحركات النظام السوري مدعوماً من الميليشيات الايرانية وروسيا. فقد اشار مسؤول في المعارضة السورية الى ان النظام يحرّك قوات على مقربة من قوات سوريا الديموقراطية وخلفها، وسيكون مستعداً للدخول الى مناطق محررة من داعش من دون ان يشنّ معركة ويخسر عناصر او يبذل جهوداً.
كما أبدى هذا المسؤول خلال حديثه مع العربية.نت خشيته من ان تسلّم قوات سوريا الديموقراطية مدينة الرقّة الى النظام السوري بعد تحريرها، او ان لا يغادر الاكراد المدينة، واشار الى ان الاكراد ينارسون التفرقة العرقية ويفرضون على اهالي المناطق التي يسيطرون عليها “مبدأ الكفيل” اي انهم يفرضون على اللاجئ ان يكون لديه كفيل محلّي مقيم، وتأمن القوات الكردية له، ويكون هو الضامن للاجئ عندما يعود الى بيته وارضه.
سقوط رمز الخلافة
يعتبر مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية “ان أهم ما في سقوط الرقة هو اثبات عدم شرعية الخلافة التي قامت عليها داعش”
ربما يبدو هذا الهدف ضئيلاً، لكنه يقع في جوهر الاستراتيجية الاميركية لدحر داعش، فالرقة هي عاصمة الخلافة وسيطرة التنظيم الارهابي على دابق والموصل وإقامة عاصمة في الرقة أعطى للتنظيم “شرعية” في صفوف شباب يعيشون في الولايات المتحدة واعتبروا انه من الضروري الالتحاق بـ “الدولة” أو مبايعة البغدادي وشنّ هجوم إرهابي على اراضي الولايات المتحدة.
اما مع سقوط “العاصمة” فيعني نهاية الهام التطرّف والمتطوّعين وربما يكون بداية النهاية لسقوط فكرة داعش وهذه الموجة من الارهاب حول العالم.
دير الزور أهم
عند سقوط الرقة ستتوجّه الانظار بسرعة إلى مسرح آخر في سوريا، حيث تسعى إيران وميليشياتها، ومن خلال تحالفها مع النظام السوري وروسيا، وتريد وصل الطرقات بين طهران والعراق بسوريا ومن بعدها لبنان.
دير الزور ومحيطها ثري بالنفط والغاز وتسيطر على الطريق الدولي مع العراق. وتشير بيانات القيادة المركزية الاميركية يومياً الى غارات يشنّها طيران التحالف على محيط المدينة، لكن لا مؤشرات حتى الآن على ان الاميركيين لديهم قوات برّية كافية لشنّ هجوم على المدينة مثلما حدث في الرقّة.
في المقابل، يحتفظ النظام السوري بقاعدة عسكرية كبيرة في محيط المدينة، واشارت بعض المعلومات الامنية الى انه نقل الى هذه المنطقة اعداداً من القوات الموالية له الى قاعدة عسكرية ومطار يحتفظ بهما منذ اندلاع الثورة السورية، ويريد النظام التأكد من انه سيتمكن من انتزاع المدينة من داعش، والسيطرة على الطريق الدولي الذي يعبر محيط المدينة الى الحدود العراقية عند معبر البوكمال.
خطط كثيرة
يثير هذا الحشد قلقاً كبيراً لدى الأميركيين والمعارضة السورية في الوقت ذاته. المعارضة السورية ترى ان الحلّ الوحيد للاحتفاظ بدير الزور ومنع الايرانيين من احتلالها، هو التوصل الى تفاهمات على الارض مع الاكراد والاتراك والمعارضة السورية وكلّها خيارات صعبة.
الخيار الأكثر دراماتيكية، هو ان تعتبر ادارة دونالد ترمب ان معركة دير الزور مصيرية وان تقرّر الادارة ارسال قوات برّية كبيرة الى محيط دير الزور، والتوصل الى تفاهم مع روسيا على ان المنطقة لن يتمّ تسليمها للإيرانيين، وان لا يعود اليها النظام السوري، بل ان أهل المدينة يستعيدونها ويبقون فيها في ظل حكم محلي وبانتظار الحلّ السياسي.
أخطر ما في المرحلة المقبلة هو ان الايرانيين والنظام السوري وروسيا يرغبون دائماً بتحدّي الاميركيين، وعلى الرئيس الاميركي ومجلس الامن القومي التفكير في الكثير من المجازفات السياسية والعسكرية والاقليمية، فمن مفارقات العصر ان كل المصالح الدولية والاقليمية تجمّعت في مدينة اسمها دير الزور.
(العربية.نت)