خاص Lebanon On Time – خالد أبو شام
لم يزل صخب الأصوات والصيحات يتعالى من قبل العهد وحلفاؤه وأنصاره بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والذين صوروا الموضوع وكأنه معجزة أحدثها رئيس الجمهورية، أو أمر خارق لا مثيل له ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منه.
تتكلّم جماعة العهد وأزلام السلطة بكلّ انبهاج وتطبيل في هذا المضمار، مهللين لفخامته و للمنظومة الحاكمة على إنجازاتها الباهرة التي أعجزت العالم وأذهلته لعظمتها، والتي إن أردنا سردها تكاد تشمئزّ الكلمات العاجزة عن إيفاء أرتال الإجرام والفساد حقها، بمنظومة حاكمة نهبت الثروات وقضت على الأخضر واليابس، فأي إنجازات تتكلمون عنها، هل هي انقطاع الكهرباء بشكل كامل لأكثر من أربعة أشهر، وترك الشعب اللبناني تحت رحمة عصابة المولّدات التي لا رحمة عندها.
أم هي انقطاع المياه في بلد المياه، والتلذّذ برؤية الأطفال والنساء والعُجّز وهم يحملون دلاء المياه إلى بيوتهم من الطرقات عاجزين؟
أم انهيار العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة، وما لحقَ ذلك من موجات غلاء لا قِبَلَ لغالبية الشعب اللبناني بها؟
أم طوابير الذل على محطات الوقود والبنوك بل والأفران بسبب انقطاع الخبز لأيام متوالية وبيعه من قبل بعض المنتفعين بالسوق السوداء ليرفعوا سعره؟
أم ترك عصابات القتل والسلب تفتك يوميا بالناس وأرزاقها، وتضعيف القوى الأمنية والعسكرية التي تعاني من نفس الأزمات، وجعلها عاجزة عن القيام بمهامها لقلة الإمكانيات، مما دفع بالوضع الأمني نحو الهاوية؟
وإذا أردنا أن نعدّ باقي الانجازات فإننا لا نستطيع إحصاءها لكثرتها، والتي يتعامى عليها المطبلون الذين يرون الحقيقة ولكن يمنعهم زيفهم عن الوقوف عندها.
وفي نفس السياق، توالت التصريحات والمباركات من جهات داخلية وخارجية على إنجاز هذا الاتفاق الذي أسموه بالتاريخي، والذي كان يشكل نقطة ضغط للبنان عمل عليها القاصي والداني واستغلتها ذئاب العالم المتهافتة على النفط والغاز بعد حرب أوكرانيا، ليدفعوا لبنان إلى التنازل ثم التنازل ثم التنازل عن جزء كبير من ثرواته لكيان محتل ومغتصب، للأسباب نفسها، والتي ساعدهم عليها خدّامهم من المسؤولين عندنا، فتمَّ الترسيم على دماء الشهداء التي سقطت، وأشلاء الجرحى، وركام البيوت التي تهدّمت، وتم التفريط بجزء كبير من حق لبنان الطبيعي، وأهمها أن جرى الرضوخ لشروط العدو، و مَنْ يستطيع أن يخالف؟ بعدما باركَ محور الممانعة الاتفاق، والذي كان في الأمس يهدد ويصعّد ويا لثارات الكرامة.
وفي النهاية تم الترسيم، وانتفت كل الأصوات المعارضة إلا صوت الشعب اللبناني الذي لم يرضَ الهوان والذي جعلوه آخر مَنْ يُعطي رأيه، ولكن بعد كل ما جرى، هل كان توقيع الاتفاق بهذا التوقيت بالذات (قبل نهاية العهد بأيام) صدفة غير مقصودة ولا مدبَّر لها، أم هو استعراض داخلي، وصفقة مُخبّأةً تحت الطاولة يضمن فيها الرئيس وتيّاره وحلفاؤه نفوذهم وبقاء قبضتهم على البلد؟
أو جائزة ترضية للرئيس القوي في نهاية عهده، بعدما كان أسوأ عهد في تاريخ لبنان الحديث والقديم؟