أثار أمر صادر بإغلاق مطعم صغير (كشك) جنوب العاصمة النمساوية فيينا ضجة كبيرة؛ لأن واحداً من السببين اللذين ساقتهما السلطات كان مثيراً للجدل، وهو عدم تحدث صاحبه اللغة الألمانية بشكل جيد، ليصل صدى القصة إلى الضفة الأخرى من الأطلسي.
ويقع مطعم “كباب علي” في السوق الرئيسية لمدينة “فينر نويشات”، ويعمل صاحبه أليهان تورغوت منذ 11 عاماً في بيع مأكولات كالدونر و”دوروم” والبرغر النباتي، والفلافل للسكان، وبات عليه الآن إغلاقه في نهاية شهر نيسان 2017.
وأرجعت سلطات المدينة قرار الإغلاق إلى أن صاحب الكشك لا يتحدث باللغة الألمانية حتى الآن رغم مرور فترة طويلة من إقامته بالبلاد، إلى جانب أن شكل الكشك لا يبدو “أنيقاً بما فيه الكفاية” ليتناسب مع تجديد ساحة السوق، بحسب تليفزيون “إر تي إل”.
“هذا ما لا نريده”
وأكد عمدة المدينة كلاوس شنيبرغر، المنتمي لحزب الشعب الحاكم، إنه قال لتورغوت إنه “ليس هذا ما أريد في هذه المدينة”، وأوضح في تصريح صحافي، أنه “عندما يرغب أحدهم في إدارة محل في وسط المدينة، على الرغم من أنه بعد أكثر من 20 عاماً من وجوده في النمسا ليس في الوضعية التي يستطيع فيها التحدث بشكل كاف بالألمانية، ليأتي لمقابلة العمدة من دون مترجم (..) هذا هو بالضبط المجتمع الموازي، الذي لا نحتاجه في فينرنويشتات، ولا نريده في الممتلكات العامة”.
وقال العمدة، في سياق دعمه للقرار الذي اتخذه عضو مجلس المدينة اودو لاندباور، وهو من حزب الحرية اليميني المتطرف، إن مظهر الكشك لا يتواءم مع ما يتصوروه لقلب مدينتهم.
صدمة
وجاء هذا القرار بمثابة صدمة للرجل وزبائنه الذين بدا وأنهم مخلصون له، فتلقى دعماً من قبل مختلف الأطراف، وبدأ أعضاء من حزب الخضر النمساوي التماساً من أجله.
ووصفته الزبونة فريدريكه شتاينر بـ”الجزء التقليدي من فينر نويشتات”، وأضاف ايلا راونغ أنه “جزء من المدينة”.
وقالت غابريلا ياكوب التي تدير كشك خضروات مجاوراً لتورغون إنه “جزء منا”، مضيفة: “سنفتقده جميعاً”.
وكانت الصحف النمساوية قد نشرت تقاريراً تتسم بالغضب من هذا القرار منذ مطلع شهر آذار 2017، بحسب موقع “دي بريسه” النمساوي، قبل أن تنشر صحف ومواقع أميركية شهيرة، كفوكس نيوز، وواشنطن بوست تقريراً أعدته وكالة أسوشيتد برس عن البائع التركي.
وأشارت الوكالة المذكورة إلى أن هذه القضية “تظهر شعور عدم الثقة المتنامي بين النمساويين والمهاجرين القادمين من تركيا”.
خلفية القصة
وأوضحت أن المسؤولين النمساويين في المدينة اتخذوا في وقت احتدت العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، من تورغوت “مثالاً للمجتمع الموازي الموالي لأنقرة، الذي يلجأ أحياناً للعنف في شوارع أوروبا دعماً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان”.
وبينت أن الحكومة النمساوية شددت من قواعد التظاهر أخيرًا في سياق ردها، كما تشهد البرامج التلفزيونية الإخبارية تنامياً لمخاوف حول ولاء الأتراك، ضاربة مثالاً بعنوان برنامج تلفزيوني من الأكثر المشاهدة كان نصه “الأتراك-النمساويون لأجل أردوغان: ألا يعني الوطن الجديد شيئاً؟”.
وينتمي الرجل التركي، القادم من تركيا قبل 25 عاماً، إلى “العمال الضيوف”، والأجيال اللاحقة التي وصلت قبل موجة اللجوء الأخيرة التي وصلت إلى أوروبا، وكانوا يتوقعون أن يعودوا لديارهم بعد الانتهاء من أعمال ذات المستوى المتدن، التي كان سكان تلك الدول الأوروبية ذات الاقتصادات المتنامية يعتبرونها دون مستواهم.
وتُرك الكثير من “العمال الضيوف” الذين قرروا البقاء في دول كألمانيا والنمسا يتدبرون أمورهم وحدهم على مدار عقود، ولم يحصلوا على خدمات تضمن اندماجهم في المجتمع كدروس اللغة والسلوك المقبول اجتماعياً في تلك البلدان والتدريب المهني، كالتي توفرها حالياً دول الاتحاد الأوروبي للاجئين الجدد.
اللغة
ويقر تورغوت بأنه ما زال مواطناً تركياً، لكن فقط لأنه لغته الألمانية لم تكن جيدة كفاية لتجاوز امتحان الجنسية النمساوية الصارم. ويبين أن أولوياته كانت لدى الوصول جلب عائلته إلى النمسا وأن يشرع في كسب رزقه لا تعلم الألمانية.
وأكد للوكالة أن التركيز على اللغة هي “لعبة سياسية”، مضيفاً إن زبائنه يرغبون في بقائه.
ويقرّ العمدة شنيبرغر بالأخطاء التي حدثت في الماضي، مشيراً إلى الجهود التي تبذل حالياً لأجل الاندماج، “كدليل على أن النمسا تعلمت منها”.
(Huffington Post)