بعد عشرين جلسة، آخرها ستكون اليوم، لبحث مشروع موازنة العام الذي يكاد ينتصف، كل التوقعات تشير إلى أن مجلس الوزراء سيقرر نقل السجالات والمزايدات بين القوى السياسية إلى مجلس النواب، حيث المناقشات علانية للمشروع، مع تسجيل فضيحة هي وصول الاتكال الرسمي على الدعم الأميركي للجيش إلى شطب بند التسليح من الموازنة!
هل تنتهي الحكومة من بحث الموازنة في جلستها العشرين؟ السؤال ليس محسوماً لدى الوزراء، إلّا أن كل الأجواء توحي بأن الوزراء أنفسهم، تعبوا من النقاش والتكرار، وعليه من المرجّح بأن تكون جلسة اليوم هي الاخيرة في الموازنة، قبل رمي الحمل على مجلس النواب هذه المرّة. ومع أن المفاجآت متوقّعة في جلسة اليوم، لا سيّما إمكانية عودة وزير الخارجية جبران باسيل إلى فتح نقاش حول بعض النقاط التي طرحها ولم ينتهِ النقاش منها في الجلسات الماضية، إلّا أن «النيّة» أن لا تكون جلسة بعبدا اليوم مكرّرة عن جلسات سابقة، وأن لا تعود الموازنة إلى السراي الحكومي بل إلى مجلس النواب.
وبمعزل عن المآل الذي ستصل إليه الموازنة في جلسة اليوم، فبعد كل الحديث عن خفض الرواتب ومحاولات خفض العجز واستعادة جزء من الهدر العام عبر خطة تتضمنها الموازنة، تبدو أكثر نتائج النقاشات «فضائحيّة» هو شطب بند تسليح الجيش. فهذا البند مُحال على الخطة الخمسية التي أقرّت قبل سنتين لتسليح الجيش، والتي تبلغ نحو 500 مليون دولار تمّ صرف 120 مليون دولار منها، ليخرج مشروع الموازنة برقم «صفر» لبند تسليح الجيش والأجهزة الامنية! فعلى الرغم من تأكيد مصادر وزارية بارزة لـ«الأخبار» أن «إسقاط بند التسليح من هذه الموازنة سببه أن الفترة المتبقية للعام الحالي ليست طويلة، ويمكن البحث في موازنة العام المقبل عن كيفية التعويض للتسليح عن العام 2019»، إلّا أن الخطوة تدفع إلى التساؤل عن مدى تسليم الحكومة والسلطة السياسية بالدعم الأميركي المالي والتسليحي للجيش. فهل وصل الاتكال الرسمي على الدعم الأميركي إلى هذا الحد؟ ماذا لو قرّر الأميركيون المساهمة مع الجيش بدفع رواتب جنوده وضبّاطه؟ فأين سيكون قرار المؤسسة العسكرية عندها وأي سيادة للدولة اللبنانية على مؤسستها العسكرية؟
الذريعة الدائمة في هذا المجال هي عدم قدرة لبنان على تسليح جيشه، وبأن «علينا الاتكال على مصدر وحيد هو المساعدات الاميركية»، علماً بأن خفض معدل فائدة الدين العام بنقطة واحدة لمصلحة تسليح المؤسسة العسكرية، كفيل بتأمين أضعاف ما يقدمّه الأميركيون للجيش سنوياً والذي لا يزيد على 180 مليون دولار أميركي!
ومن المتوقّع أيضاً في جلسة اليوم، أن يكرّر وزراء حزب الله وحركة أمل وتيار المردة اعتراضهم على فرض رسم بنسبة 2 في المئة على الاستيراد، وعلى الشكل الذي خرج به بند الرسم النوعي على 20 سلعة ومادة مستوردة، فيما سيعترض وزراء الحزب والمردة على اقتراح أن يكون المعاش التقاعدي مشمولاً بضريبة الدخل.
وفيما لا تزال غالبية القوى العماليّة تسجّل اعتراضاتها على خطة التقشّف والقرارات التي تنوي الحكومة تصديرها في مشروع الموازنة إلى مجلس النواب، عبر الاعتصام والتظاهر والإضرابات، يبدو أن الجيش كما الأسلاك العسكرية، التي سارت على مضض بالخطط الحكومية، يشعر بالغبن، بسبب العديد من القرارات التي تخصّ العسكريين وتعويضاتهم.
وبحسب مصادر مطلّعة، فإن المشكلة الأساسية ليست في مقدار الحسومات التي تطال رواتب العسكريين وتعويضاتهم، بل هي في المعيار المعتمد لسياسة التقشف في موازنة الحكومة للعام 2019. إذ أن الأخطاء (وهي سياسة متعمّدة) المتراكمة السابقة في احتساب سلسلة الرتب والرواتب من قبل القيّمين على هذا الموضوع في الحكومات المتعاقبة، جعل ملحقات الراتب الأساسي في الجيش رافعة للراتب، بدل أن يكون الراتب الأساسي متوافقاً مع ما يُدفَع في الفئات نفسها في الإدارة العامة.
وفيما يبرز الحديث عن «التدبير رقم 3» (الذي يسمح للعسكريين بالحصول على تعويضات شهرية إضافية، وعلى تعويض نهاية الخدمة بمعدّل رواتب 3 أشهر عن كل سنة)، وضرورة إعادة النظر في كيفية تطبيقه، تقول مصادر المؤسسة ان هذا التدبير «هو من الحقوق الأصلية للعسكريين، إنفاذاً للمراسيم التي ترعى هذا التدبير في أوضاع يكون فيها الجيش تحديداً مسؤولا مباشراً عن عملية حفظ الأمن (كالمرسوم رقم 1 الصادر عام 1991، الذي كلّف الجيش مهمة حفظ الأمن الداخلي، ولم يتم إلغاؤه ولا تعديله حتى اليوم)، ما يستدعي من عسكرييه البقاء في حالة جهوزية على مدار الساعة».
الجيش، بحسب مصادره، أبدى استعداده الكامل منذ اللحظة الأولى، ليكون جزءاً من عملية الإصلاح في الدولة، شرط أن يتساوى مع كافة الإدارات. فعندما أقرت سلسلة الرتب والرواتب، تم اجتزاء أساس الراتب للعسكريين، وجرى التعويض لهم في الملحقات، و«الآن يجري المس بتلك الملحقات، والتي هي نسبية مع أساس الراتب، فهل هذا من العدالة بمكان؟».
أما في ما خص تعويضات نهاية الخدمة، فالعسكري له الحق في هذا التعويض، لأنه يتم حسم مبلغ مالي من راتبه طوال فترة خدمته، ويُحَوَّل إلى صندوق تقاعدي تديره وزارة المالية خلال خدمته العسكرية. فأين هو هذا الصندوق؟
وتسأل المصادر، لماذا يوجد صندوق تعاضد للعسكريين تديره المؤسسة العسكرية، وهو إختياري يتم بموجبه حسم مبلغ مالي من العسكريين؟ وفي حال أراد العسكري قرضاً، فهو يعطى من هذا الصندوق بفوائد قليلة لتأمين المساعدات العائلية له، وعندما يتقاعد يحصل على تعويض من هذا الصندوق. فلماذا في المؤسسة العسكرية حُفظ الصندوق وفي وزارة المال لم يحفظ؟
أما في ما خص موازنة وزارة الدفاع، والتغييرات التي طرأت عليها بين موازنة 2018 ومشروع موازنة 2019، فيمكن عرض الأرقام التالية: عام 2018، رُصِد لموازنة وزارة الدفاع مبلغ 3198 مليار ليرة. أما النفقات المقدرة لعام 2019، فتبلغ 3431 مليار ليرة، في مقابل 2946 مليار ليرة مقترحة لعام 2019 من قبل مجلس الوزراء. أما الإقتراح الأخير في مشروع الموازنة، فبلغ 2913 مليار ليرة، أي بتخفيض بقيمة 33 مليار، إلى أن وصل التخفيض النهائي لوزارة الدفاع إلى 518 مليار ليرة.
وهنا تشير المصادر العسكرية إلى الاجحاف في هذا التخفيض، مع بعض الأمثلة التي طالها: التغذية 10%، المحروقات 28%، المدارس 15% (أي أنها أصبحت 35% تعويض بدل للعسكريين عن المبالغ المدفوعة في المدارس عن أولادهم)، تجهيزات وذخائر 40%، تعويضات مختلفة (وفاة – مكافآت) 33%، نفقات سرية 16%، إنشاءات 73%، صيانة وسائل نقل 22%، أعياد وتمثيل (أكاليل ورد وغيره) 50 %. مع الإشارة إلى مثال عن تخفيضات في بند التغذية:
تكلفة تغذية العسكري الواحد تبلغ يومياً نحو 5650 ليرة لبنانية، وهي مدروسة بشكل يسمح للجندي القيام بواجبه والمهام الجسدية المنوطة به، فيصبح بعد التقشف 3500 ليرة عن كل يوم. وكمثال عن المحسومات على أساس الراتب، جرى حسم 3% من أساس الراتب كبدل طبابة، ورفع الحسومات المخصصة للراتب التقاعدي إلى 9% من أساس الراتب!
الاخبار