أصبحت اختبارات الحمض النووي “DNA” موضة رائجة هذه الأيام، إذ يسعى كثيرون خاصة في الغرب لمعرفة أصولهم، ومن أين جاء أسلافهم، ولكن النبش في الماضي قد يكشف أشياء في المستقبل لا يحبذ أن تعرفها.
ويتعرض أولئك الذين يستخدمون الاختبارات الوراثية لتعقب أسلافهم، ليكتشفوا أنهم معرضون للإصابة بمرض غير قابل للعلاج، للمعاناة من مشاكل نفسية خطيرة، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ويقول باحثو مرض “الخرف” إن المشكلة تعتبر خطيرة، خاصة فيما يتعلق بأولئك المعرضين لخطر الإصابة بمرض الزهايمر الذي ليس له دواء أو علاج فعال.
ومع ذلك، يحاول كثير من الأشخاص معرفة وضعهم عن غير قصد، بعد محاولة العثور على جذورهم الآسيوية أو اليونانية القديمة، أو التي تعود إلى الفايكينغ.
وفي هذا الإطار، قالت آنا ميدلتون، رئيسة الأبحاث المجتمعية والأخلاقية بمركز ويلكوم جينوم كامبوس Wellcome Genome Campus في كامبريدج “من المحتمل أن تتسبب هذه الاختبارات في محنة كبيرة. وينبغي على الشركات أن تقدم الاستشارة قبل وبعد خوض الناس لهذه الاختبارات”.
وقد أُثيرت هذه القضية في بحث أجرته ميدلتون وآخرون في جريدة Future Medicine.
وأطلق لويس ووكر، أحد المسؤولين الباحثين في جمعية الزهايمر، تحذيراً مماثلاً “يحق للجميع معرفة المخاطر التي سيتعرضون لها إذا أرادوا القيام بذلك، ولكن لدى تلك الشركات مسؤولية أخلاقية تتعلق بالتأكد من أن يفهم الناس معنى وعواقب هذه المعلومات. فينبغي على أي شخص يفكر في الحصول على نتائج الاختبار الوراثي (الجيني) أن يقوم بذلك دون أن يُغمض عينيه”.
يعتبر مرض الزهايمر مرتبطاً بالقوام المتكتل داخل المخ، والذي يتكون من بروتين يُطلق عليه اسم البروتين النشوي.
ويتسبب ذلك في إحداث فقدانٍ حاد في الذاكرة، ويتسبب أيضاً في الاضطراب والارتباك. ويؤثر أحد الجينات، المعروف باسم جين ApoE، على هذه العملية ويتواجد في شكل ثلاثة مغايرات: E2، وE3، وE4. ويواجه هؤلاء الذين يمتلكون المغاير الأخير فرصة أكبر للإصابة بالمرض في أواخر حياتهم.
وقال الأستاذ جون هاردي، من كلية لندن الجامعية: “يمتلك ما يقرب من 3% من السكان نسختين من مغاير E4 – كل واحد منهما مُكتسب من أحد الوالدين. وهم عُرضة بنسبة 80% تقريباً لخطر الإصابة بمرض الزهايمر عند بلوغ سن الثمانين، في حين أن الشخص العادي يكون عُرضة لخطر الإصابة بنسبة 10%”.
وأصبحت قدرة العثور على وضع جين ApoE أسهل، وذلك نتيجة لتطور الاختبارات الوراثية التي توفر البيانات المتعلقة بأسلاف الأشخاص، والمخاطر الصحية والسمات العامة.
وتقدم الكثير من الشركات هذه الخدمات والإعلانات وتصور سعادة الأفراد الذين عرفوا جذورهم –سواء أكانت 43% من أصول إفريقية أو 51% من أصول شرق أوسطية– غالباً من خلال صوت جولي أندروز وهي تغني Getting to Know You، أو من خلال تسجيلٍ صوتيٍّ يتمتع بنفس حالة السعادة. وكل ما عليك فعله هو تقديم عينة من البُصاق.
ولا تعتبر المعلومات الناتجة التي تتعلق بالتكهنات بالمرض مؤكدة، ولكن تحظى بنسبة كبيرة من المصداقية. وخضعت كيلي بوت فلاور، من لندن، لاختبار الجينات في شركة 23and Me لأنها أرادت أن تثبت أن عائلة والدتها تنحدر من إسبانيا.
ولم تقدم النتائج أي دليل على جذورها الإسبانية، إلا أنها كشفت عن أنها تحمل نسخة واحدة من مُغاير E4 المرتبط بجين AopE، والذي يزيد من فرص إصابتها بمرض الزهايمر، على الرغم من أنه ليس بنفس قدر الجرعة المزدوجة من هذا المغاير.
وقالت بوت فلاور: “لم أفكر في هذا الأمر في ذلك الوقت. وبعدها، عندما بدأت في العمل كأخصائية دعم في جمعية الزهايمر، عرفت الكثير عن جين ApoE4 وأثقلت هذه المعلومات كثيراً على كاهلي.
فهل انتقل إليّ جين ApoE4 من والدتي؟ وهل ستُصاب بالزهايمر في وقت قريب؟ وهل نقلتُ هذا الجين إلى ابنتي؟ حاولت استشارة هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS ولكن أخبروني أن هذا غير ممكن بالنسبة لشخص واقع في هذه المحنة تحديداً”.
ويمكن الحصول على أمثلة أخرى على موقع ApoE4 Info site، وهو أحد المنتديات الخاصة بهؤلاء الذين تكشف الاختبارات الوراثية لهم عن إمكانية إصابتهم بمرض الزهايمر.
وذكر أحدهم “تمكنت من معرفة وضع 4/4 ApoE الخاص بي. وما زلت في صدمة. دفعت 50 دولاراً من بطاقة هدايا أمازون للمشاركة في دراسة جينية (وراثية). وكنت ساذجاً وهذه هي النتيجة، ولم أكن على استعداد لذلك”.
لا يوجد أي عقار أو علاج لمرض الزهايمر، ورغم أن الأطباء ينصحون بأن امتلاك أسلوب حياة صحي سيعود بالنفع، فإن الحد الأدنى للخطورة على حاملي جين E4 ما زال مرتفعاً رغم أي إجراءات وقائية.
وتقول شركات إجراء الاختبارات الجينية إنها تقدم النصيحة فيما يتعلق بالاستشارات، ولكن يتضح لنا في العادة أنه مقطع فيديو على يوتيوب يحدد المخاطر التي تتعرض لها.
وتعلق “غارديان” قائلة إن “الأشخاص المصابين بحاجة إلى استشارة بشكل شخصي، وليس للنصيحة عبر فيديو موجه للجميع”.
تقول شركات اختبار الجينات إن نتائج الزهايمر والأمراض الأخرى، مثل سرطان الثدي والشلل الرعاش غالباً ما تتخفى وراء عقبات إلكترونية.
ويتحتَّم على الشخص أن يُجيب عن عدة أسئلة، ليُظهر أنه “بالفعل” يرغب في إزالة هذه العقبات، كما يجري إبلاغه بالمخاطر المحتملة لمعرفة هذه المعلومات.
ولكن رفضت ميدلتون هذه الاحتياطات متسائلة: “هل يمكن أن تعرف أنه توجد معلومات طبية عنك على الإنترنت، ولا تذهب لتعثر عليها. إنها الطبيعة البشرية”.
واتفقت مارغريت مك كارتني، وهي ممارس عام وأحد مؤلفي كتاب The Patient Paradox، قائلة: “ما يثير قلقي يتمثل في الطريقة العدوانية المُتبعة في تسويق تلك الاختبارات”.
ويطَّلع الناس على جميع المزايا، ولكن لا تُذكر لهم العيوب. ومن المتوقع أن تتخلص هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية NHS من كل ذلك.
“وفي الوقت ذاته، تُحقق شركات إجراء الاختبارات الجينية الأرباحَ وترحل بعيداً عن الفوضى التي تخلقها. وأعتقد أن هذا غير أخلاقي. وينبغي إجبارها على دفع ثمن الاستشارات التي تقدمها لعملائها”.