كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”: يأمل اللبنانيون، مع استعدادهم لاستقبال العام الجديد، بأن تتمكن حكومة استعادة الثقة من احتواء التداعيات السياسية للخلاف على إعطاء أقدمية سنة لـ194 ضابطاً هم مجموعة دورة “العماد ميشال عون” عام 1994، خصوصاً أن توقيع رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري ووزير الدفاع الوطني يعقوب صراف المرسوم الخاص بذلك، أحدث ندوباً في علاقتهم برئيس المجلس النيابي نبيه بري، مع أنه ترك الأمر للرئيس عون من دون أن يعني ذلك، كما تقول مصادر وزارية ونيابية للصحيفة أن المشكلة سويت، بذريعة أن مراسيم عدة كانت صدرت من دون أن تقترن بتوقيع وزير المال علي حسن خليل.
فرئيس المجلس النيابي -وفق المصادر نفسها- وإن كان ينأى بنفسه عن الدخول في مشكلة مع رئيس الجمهورية، فإنه في المقابل يسجل عتبه على رئيس الحكومة، على رغم أنه طلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء التريث في نشر المرسوم، وإن كانت أوساط رئيس الجمهورية ترى أن لا حاجة لنشره في الجريدة الرسمية، على خلفية أن مراسيم مماثلة كانت صدرت في السابق لم تنشر لأنها تتضمن أسماء ضباط يحظر الإعلان عنها لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي للبنان ومن غير الجائز إتاحة المجال للعدو الإسرائيلي للاطلاع عليها.
وتعتبر مصادر وزارية ونيابية أن الخلاف على إعطاء أقدمية سنة لهؤلاء الضباط ليس طائفياً وإنما على عدم التقيد باتفاق الطائف والميثاقية، إضافة إلى أنه لم يصدر أي مرسوم منذ التوصل إلى دستور جديد لا يحمل توقيع وزير المال.
وتسأل المصادر عينها عن العجلة في إصدار المرسوم، وكان سبق لعدد من النواب أن تقدموا منذ أشهر باقتراح قانون يقضي بمنح هؤلاء الضباط أقدمية سنة، وبدلاً من أن يترك الأمر للبرلمان صدر المرسوم، ربما لقطع الطريق على المداولات التي أجريت داخل المجلس العسكري، وآخرها جاء متلازماً مع إثارة الوزير خليل هذا الأمر في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء؟
هذا بالنسبة إلى هذا المرسوم، أما في خصوص ملف الكهرباء، فإن الخلاف حوله، وتحديداً بالنسبة إلى استئجار بواخر لتوليد الطاقة الكهربائية لتزويد بعض المناطق بصورة منتظمة بالتيار، لا يزال قائماً، وبات يشكل نقطة خلاف، ليس بين حليفي “إعلان النيات” –”التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”- فحسب، وإنما بين الأول ومكونات رئيسة في الحكومة، منها الحزب التقدمي الاشتراكي” وحركة “أمل”.
واستئجار البواخر بصورة موقتة ريثما يصار إلى إنشاء معامل لتوليد الطاقة، يمر حالياً في مراوحة يغلب عليها الأخذ والرد وتتعلق في الدرجة الأولى بتوفير الظروف لإجراء مناقصة لاستقدام هذه البواخر، على أن تتولى إدارة المناقصات وضع دفتر الشروط في ظل تعذر وجود منافسة بين الشركات التي تتعاطى هذا المجال.
قمة الحريري – جعجع
ومع أن إمكان إدخال تعديلات على قانون الانتخاب أصبح من المحال ولا مجال لتعديل القانون، على رغم أن رئيس التيار الوطني الوزير جبران باسيل لا يزال يلح على هذه التعديلات، فإن العلاقة القائمة حالياً بين القوات وتيار المستقبل تنتظر لقاء القمة بين جعجع والحريري، لعلهما يسرّعان إعادتها إلى طبيعتها في ضوء عدم توصل لجنة “المساعي الحميدة” التي تضم وزيري الثقافة غطاس خوري والإعلام ملحم رياشي إلى وضع ورقة عمل تتضمن أبرز نقاط الخلاف التي كانت وراء التوتر بين الطرفين منذ استقالة الحريري من الرياض في 4 تشرين الثاني الماضي وعودته عنها في بيروت بعد أن استجاب مجلس الوزراء لطلبه في إعادة تعويم سياسة النأي بالنفس التي تقوم على تحييد لبنان عن صراع المحاور وعدم التدخل في شؤون الدول العربية.
وريثما يحين الوقت لعقد قمة تمهد لإعادة الاعتبار للتحالف بين المستقبل و القوات، فإن مصادر مواكبة الاتصالات الجارية بينهما تؤكد أن الحريري يتهم القوات بالضلوع في المؤامرة التي كثر الحديث عنها منذ استقالة الحريري خلال وجوده في الرياض.
مراقبة دولية للنأي بالنفس
وأخيراً تبقى الإشارة إلى أن سياسة النأي بالنفس التي أكدتها الحكومة وكانت وراء عودة الحريري عن استقالته، لم تعد ملكاً خاصاً للمكونات السياسية المشاركة في الحكومة، على رغم أن الحريري يصر في معظم مواقفه على أنه يراقب مدى التزام الأطراف بها قولاً وعملاً، وإنما انتقلت ملكيتها إلى المجتمع الدولي وهذا ما ظهر في مناسبتين، الأولى في الموقف الذي صدر عن اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي استضافته أخيراً باريس ورعاه الرئيس إيمانويل ماكرون، والثانية في البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وفيهما دعوة اللبنانيين إلى الالتزام بسياسة النأي بالنفس.
(الحياة)