وفي عبارة أخرى، هل هناك فرصة حقيقية لإقرار مزيد من المطالب المسيحية في هذه المهلة الزمنية الضيقة، مع ضمان عدم إضاعة الفرصة لقطف ثمار ما تحقَّق حتى الآن من مكاسب، من خلال الخطوط العريضة للقانون المتداوَل، أي النسبي في 15 دائرة؟
لقد أعلنت القوى المسيحية أنّ هذا القانون يشكّل نقلةً نوعيةً لأنه يؤمّن وصول نحو 50 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين، فيما قانون الـ60 لا يأتي بأكثر من 36 نائباً. وإذا كان ذلك صحيحاً، فالأفضل هو التأمين على القانون الجديد كمرحلة أولى، والعمل على تدعيمه بعناصر أخرى في مرحلة ثانية.
إذا سقط قانون الانتخاب الموضوع اليوم على الطاولة فإنّ المطالب الأخرى التي يطرحها «التيار الوطني الحرّ» ستكون قد سقطت معه، فيخسر المسيحيون فرصتين: القانون والإصلاحات الأخرى. وليس واقعياً، في السياسة، إضاعة فرصة لتحقيق انتصار واحد على الأقل، بدل خسارة الفرصتين معاً.
والمسيحيون قد لا تكون أوراقهم قوية، بعد 20 حزيران كما قبله، إذا لم يتمّ التوصل إلى قانون انتخاب. وستدور مفاوضاتٌ على أسس جديدة ربما، وليس مضموناً أنّ المسيحيين سيمتلكون فيها المبادرة بمقدار ما يمتلكونها اليوم.
إذا حلّ 20 حزيران من دون قانون انتخاب، فإنّ أحداً لا يضمن كيف تتغيّر المواقف والمواقع، وهل يكون التغيير لمصلحة المسيحيين أو لغير مصلحتهم. والسؤال الأبرز سيكون: هل يبقى الطرف السنّي عند حياده الحالي، خصوصاً إذا أصرّ الشيعة على مقولة أنّ الفراغ في المجلس النيابي يستتبع فراغاً حكومياً؟
وهل يسارع الرئيس سعد الحريري، في اللحظات الأخيرة، قبل 20 حزيران، إلى الموافقة على أيّ قانون انتخاب كان، أو على التمديد للمجلس النيابي سنة كاملة، بناءً على الاقتراح الذي قدّمه النائب نقولا فتوش، على رغم الاعتراض المسيحي، خوفاً من الفراغ؟
إذا حصل ذلك فقد يكون نكسةً للقوى المسيحية الساعية إلى تحسين شروط التوازن في مؤسسات الحكم. وسيؤدي ذلك إلى ضرب الاندفاعة التي يريدها رئيس الجمهورية لعهده، على صعيد استعادة التوازن والشراكة في النظام.
وفي الأساس، هناك انطباعات لدى كثير من المحللين بأنّ القوى السياسية النافذة ليست جدّية في تسريع إجراء الانتخابات: فـ«حزب الله» والقوى الشيعية من جهة، وخصومهم في المحور المقابل، ربما ينتظرون إشارات من حلفائهم الإقليميين لاتخاذ قرار في ما يتعلق بحدود نفوذهم في لبنان ورسم قواعد جديدة للاشتباك السياسي، خصوصاً أنّ الشرق الأوسط يشهد غلياناً جديداً ستكون له نتائج على مستوى التوازنات بين المحاور في مختلف الكيانات الإقليمية، ومنها لبنان.
لقد عارض «التيار الوطني الحر» والقوى المسيحية الأخرى، ومعها بكركي، مبدأ «سلّة التفاهمات» التي طرحها الرئيس نبيه بري عشية الانتخابات الرئاسية. ولكنّ «التيار» نفسه يطرح اليوم سلّة التفاهمات إياها، من زاويته، عشية انتهاء ولاية المجلس النيابي.
فإذا كان «التيار» قد رفض سلّة بري يومذاك تحت عنوان «عدم عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية»، فهل هو يغامر اليوم بطرح السلّة، بما يؤدي إلى تعطيل التوافق على قانون انتخاب؟ وإذا كان القانون المتداول مناسباً فعلاً للمسيحيين، فلماذا المغامرة به؟
يعتقد البعض أنّ هناك توازناً يجب أن تلتزمه القوى المسيحية بين إنجازٍ تحقَّق فعلاً هو قانون النسبية في 15 دائرة، وإنجاز يمكن تحقيقه لاحقاً هو إقرار الإصلاحات والمطالب التي تستكمل مفاعيل الإنجاز الأول: تثبيت المناصفة، مجلس الشيوخ، اللامركزية الإدارية الموسّعة، المغتربون، نقل النفوس…
وهذا التوازن يمكن تحقيقه بالآتي: إقرار الخطوط العريضة لقانون النسبية و15 دائرة، وتحديد موعد للانتخابات، في موازاة توصيةٍ مُلزِمة بإطلاق ورشة لسدّ الثغرات والأخطاء التي نتجت عن عدم تنفيذ بنود في «إتفاق الطائف» وتنفيذ أخرى في شكل سيّئ.
بهذه الصيغة يصبح ممكناً تحصيل الأرباح المحققة اليوم بقانون النسبية و15 دائرة، والاستعداد لخطوة تالية في المرحلة الممدّدة، والتي على الأرجح ستكون طويلة ومفاوضاتها قاسية. لكنّ الجانب المسيحي لن يكون ضعيفاً فيها إذا تمّ إقرار قانون الانتخاب بخطوطه العريضة وتمّ تحديد موعد الانتخابات المقبلة.
إذا لم تراعِ بعض القوى المسيحية هذا التأنّي، فستكون حتماً قد صبّت أعمالها في مصلحة القوى التي تعمل اليوم للفراغ أو للفوضى أو للبقاء في قانون الـ60 كأمر واقع مفروض، إذا تعذّرت كل المخارج الأخرى.
عندذاك، يصبح مشروعاً طرح السؤال: هل أنّ بعض المفاوضين المسيحيين يعمل لتأمين المصلحة المسيحية في القانون العتيد أم مصلحته الخاصة؟