فيما كانت الحفارات الاسرائيلية «تقفز» من مكان الى آخَر على الحدود مع لبنان (آخرها قبالة بوابة فاطمة) بحثاً عن الأنفاق المفترضة راسمةً ملامح سلوك «تَحَرُّشي» ينطوي في جزء منه على دوافع تتصل بـ«الحرب النفسية»، بدا أن «التكيف» الداخلي مع هذا المعطى المستجدّ يأخذ مداه لدرجة إدارة الظهر لكل المَخاطر التي تطلّ جنوباً والتي ترتبط «فتائلها» بـ«صواعق المنطقة» والإمعان في تعميق المأزق الحكومي الذي يخضع بدوره لمعاينة عربية وغربية لصيقة نظراً الى التعبيراتِ الإقليمية لمآلِ التوازنات التي سترسو عليها الحكومة الجديدة.
وإذ كانت الأوساط السياسية ترصد «الخطوة التالية» للرئيس ميشال عون بعدما لوّح بتوجيه رسالة الى البرلمان تضع الملف الحكومي تأليفاً وتكليفاً في كنفه في خطوة فُسِّرت على أنها للضغط على الرئيس المكلف سعد الحريري ورمي كرة الأزمة بالكامل في ملعبه، برز تطوران على جانب من الأهمية:
• الأول معاودة دول مجلس التعاون الخليجي تأكيد متابعتها عن كثب مسار الواقع اللبناني، وهو ما عبّر عنه بيان القمة الذي رفض «دور إيران وتنظيم حزب الله الإرهابي في زعزعة استقرار لبنان وإضعاف مؤسساته السياسية والأمنية، وتفتيت الوحدة الوطنية»، مع أمله بأن «يتمكن الحريري من تشكيل حكومة وفاق وطني».
• والثاني الحرَكة المُفاجئة التي انطلقت في القصر الجمهوري مع دعوة عون رئيس البرلمان نبيه بري الى اجتماعٍ أعقبه لقاء مع الحريري من ضمن سلسلة استقبالات تردّد ان الرئيس ينوي القيام بها مواكبةً للأزمة الحكومية.
واستوقف الأوساط السياسية توقيت حركة عون التي راوحتْ قراءتُها «السريعة» بين كونها مشاورات لجس النبض حيال توجّهه لاستخدام حقه الدستوري بمخاطبة البرلمان، وبين اعتبارها بديلاً أقله موقتاً عن مثل هذه الخطوة التي ارتسمتْ محاذيرها السياسية والطائفية على نحو مبكّر منذرةً بجعلها بمثابة شرارة قد تطيح حتى بالتسوية السياسية التي وصل على متنها عون والحريري معاً الى السلطة.
وترى الأوساط نفسها أنّه قبل المبادرة الرئاسية أمس بفتْح خطوط التواصل المباشر مع بري والحريري كانت الأزمة بلغت مستويات بالغة السلبية عبّر عنها من التقوا رئيس البرلمان والرئيس المكلف (قبيل توجّههما الى قصر بعبدا) والذين أبلغوا الى «الراي» ان «الأجواء مسكّرة»، وسط تَزايُد الاقتناع بأن «حزب الله» الذي رمى «لغم» إصراره على توزير احد النواب السنّة الستة الموالين له نجح في تحويل هذه العقدة الى «صاعق» يكاد ان ينفجر في العلاقة بين عون الذي يحاذر فريقه حلولاً تنزع من يده الثلث المعطّل في الحكومة الجديدة وبين الحريري الذي يرفض أي مَخارِج على حساب موقعه السياسي وكرئيس للحكومة.
ومن هنا اكتسب لقاء عون – الحريري (غادر الى لندن للمشاركة في «مؤتمر الاستثمار في لبنان») أهمية خاصة بعد الاستياء الكبير في أوساط فريق الأخير من تلويح عون بتوجيه رسالة الى البرلمان أُرفقت بمناخ عن إمكان الدفع لسحب التكليف من الحريري الأمر الذي فجّر «حرب الصلاحيات» مجدداً، فيما جاء لقاء عون – بري على وقع ما نُسب الى رئيس البرلمان عن انه و«حزب الله» لا يحبذان اي منحى لإحراج الحريري لإخراجه راهناً مع معاودة بري تظهير طرْحه لحلّ يتركز على توزير سنّة 8 مارس من حصة عون بما ينطوي ضمناً على فكفكة الثلث المعطّل الذي لم يتوان النائب جهاد الصمد (من السنّة الموالين لحزب الله) عن تظهير الرفض له كونه، كما قال، الهدف الرئيسي للوزير جبران باسيل (صهر عون) تحسباً لإمكان اي فراغ رئاسي مفاجئ.
(الراي)