يبدو أنّ حزب الله يريد تصعيد الموقف على الحدود الجنوبية، من بوابة ترسيم الحدود البحرية. إذ يدفع باتجاه “العودة إلى الخطّ 29″، لكن هذه المرّة “من خارج الدولة”، وفي سياق تحرّكات حزبية بدأ تتزايد وستتصاعد من اليوم وحتّى منتصف آب المقبل، على حدود “أيلول”.
وهذه سلسلة تحرّكات الحزب.. من “خارج الدولة”:
1- أعلن وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد مرتضى أمس، في تغريدة له، “الزحف بحراً يوم 13 آب إلى رأس الناقورة لإعلان تمسّكنا بثرواتنا التي تخصّنا فرداً فرداً إلى أيّ بقعة أو فئة من لبنان انتمينا. هذا العمل ثقافي بامتياز، إذ يعزّز وعينا لمحاولة استلاب حقوقنا، كما يعزّز ثباتنا على عدم التفريط بها، وذلك بالتعاون مع “الحملة الأهلية للحفاظ على الثروة الوطنية”.
ad
2- في الوقت عينه، ينظّم “حزب الله” اليوم الجمعة لقاء إعلاميّاً بعنوان “ثروتنا خطّ أحمر”، وذلك في منطقة الناقورة على الحدود البحرية، بهدف “النهوض بمسؤوليّتنا الإعلامية الوطنية ودفاعاً عن حقوقنا في ثروتنا”.
3- قبلهما قصد وزير الأشغال العامّة علي حميّة منطقة الناقورة ليمّر من أمام مقرّ اليونيفيل، وليقف أمام الجدار الفاصل بين مدخل نفق سكّة الحديد بين لبنان وإسرائيل، مؤكّداً بعد جولة قام بها مع رؤساء بلديات جنوبية، بـ”أنّنا نريد حقّنا في النفق لآخر متر مع الحدود الفلسطينية المحتلّة، ولن نترك النفق لأيّ أحد، ونريد الاستثمار السياحي في كامل أراضينا الحدودية في منطقة رأس الناقورة، ونعمل على إعداد دفتر شروط لإطلاق مشاريع استثمار سياحية من خلال مزايدة عالمية للاستثمار السياحي وإنشاء تلفريك بحري ومنتجعات سياحية، ونحن بذلك نرسم معادلة جديدة مع العدو الإسرائيلي”.
فما هي قصّة النفق؟ ومنطقة رأس الناقورة تحديداً؟
في الواقع، أطلق حمية أوّل موقف رسمي لبناني يتعلّق بحقوق لبنان في نفق قطار سكّة الحديد، حيث تحتلّ إسرائيل المسافة الخاصة بلبنان التي بقيت ضمن النقاط المتنازَع عليها في رأس الناقورة. ويقع النفق على ساحل الناقورة تحت الطريق، وهناك نقطة حدودية تُسمَّىB1 ، وهي بداية الخط الحدودي بين لبنان وإسرائيل وتمّ ترسيمها في الاتفاقيات الدولية عام 1923، وقد جرى تثبيتها وتعليمها كما حصل على صعيد الخط الأزرق. وهي كانت تفصل فلسطين عن لبنان منذ أيام الانتداب الفرنسي على لبنان والبريطاني على فلسطين، وقد تجاوزتها إسرائيل بحدود 35 متراً منذ مدّة طويلة، وهو ما يُعتبر اعتداء على السيادة اللبنانية.
أهميّة هذه النقطة أنّها تثبّت رأس الناقورة كمنطلق حدوديّ، وأمّا إزاحة النقطة B1 شمالاً فتُسقط عن رأس الناقورة دورها كنقطة حدودية. الأهمّ من ذلك أنّ اعتماد هذه النقطة، ومعها رأس الناقورة، يعني العودة إلى الخطّ 29، لأنّ ترسيم الحدود البحرية يأخذ بالاعتبار نقطة ارتكاز أساسية موجودة على البرّ. وبالتالي يقود الانطلاق منها حكماً إلى الخطّ 29، ويُضفي الشرعية على ادّعاء لبنان أنّ حقل “كاريش” متنازَع عليه.
هنا يتحدّث الخبراء عن خسارة لبنان حوالي 500 كلم مربّع إذا ما جرت إزاحة النقطة B1 شمالاً كما تحاول إسرائيل أن تفرض ذلك أمراً واقعاً، فضلاً عن أنّ إزاحتها تشكّل مخالفة دستورية فاضحة تفتح الباب أمام سابقة خطيرة قد تجرّ معها سوابق مماثلة.
ad
حزب الله يصعّد
تقود هذه الوقائع إلى استنتاجات تعني أنّ “حزب الله” قرّر رفع سقف تهديداته من خلال العودة الفعليّة إلى الخطّ 29 من دون تثبيت تعديل المرسوم 6433 والدخول في سجال حوله مع رئاسة الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال اللتين تتعاملان مع واقع أنّ الخطّ 23 هو الخطّ الحدودي اللبناني.
في هذه الأثناء، لا يزال لبنان ينتظر نتائج جولة الموفد الأميركي آموس هوكستين في المنطقة، وتحديداً في إسرائيل، وسط تكهّنات يطلقها الفريق العوني تشي بأنّ توقيع اتفاق ترسيم الحدود قد يتمّ قبل مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون قصر بعبدا في 31 تشرين الأول المقبل، وذلك على وقع التهديدات التي يطلقها “حزب الله” على لسان أمينه العامّ السيد حسن نصرلله، والتي اتّخذت شكل معادلة تقوم على أساس ممنوع التنقيب في كاريش إذا لم يُسمح للبنان بالتنقيب.
في هذا السياق، يكشف خبير دولي على اطّلاع على المجريات، أنّ التوتّر النفطيّ في المنطقة وسّع رقعة زيت المخاوف التي تحيط بعمل الشركات العالمية العاملة في هذا الشأن، إذ يشير إلى أنّ الشركة المشغّلة لحقلَيْ “تمار” و”لفيتان” (شركة “شيفرون” الأميركية) عقدت حديثاً اجتماعات مع السلطات الإسرائيلية ومع الموفد الأميركي هوكستين لتأمين سلامة العمل في الحقلين في ضوء التوتّرات المتزايدة، ذلك لأنّ الحقلين يعتبران استراتيجيَّين بالنسبة إلى إسرائيل، لأنّ مخزونهما يتجاوز 20,000 مليار قدم مكعّب (20 تريليون قدم مكعّب)، بينما لا يتجاوز مخزون حقل كاريش 3,000 مليار قدم مكعّب (3 تريليونات قدم مكعّب)، أي أنّ أهميّة “تمار” و”لفيتان” تتجاوز أهميّة “كاريش” بأشواط كبيرة، وتتّصل بأمن الطاقة في إسرائيل وأوروبا راهناً.
يلفت الخبير إلى أنّ الأخبار، التي سرت عن نيّة شركة “مبادلة للبترول” الإماراتية بيع 11% من حصّتها (هي تملك حالياً 22% في حقل تمار) ، تشير إلى خشية الشركة من انعدام الأمن في منصّاتها، الأمر الذي سيؤثّر على وضع أسهمها في بورصات نيويورك ولندن. ذلك أنّ إحاطة أعمال التنقيب في الحقول الإسرائيلية بالتوتّر ستعرِّض للخطر استثماراتها في هذا المجال، البالغة أكثر من 35 مليار دولار.
الأخبار