وطوال الساعات التي سبقت انعقاده، روّج رئيس مجلس النواب لاجتماع عين التنية، وسبغ عليه صفة انه فرصة إنقاذية لإنتاج حل ينهي الازمة. ولكن مع عدم نجاح الاجتماع، أقلّه في حسم إنتاج المخرج التوافقي المنشود، اعلن بري انّ عرضه رزمة الحل الذي يشتمل على قانون انتخابي نسبي ومجلس شيوخ انتهى، على رغم أنه ترك الباب مفتوحاً للتواصل.
ما قصده بري ببيانه يترجم رسالة «يوم تجديد القسم»، وهو يؤشّر الى انه في مرحلة ما بعد 15 أيار، لن يكون منفتحاً على إضافة إغراء مِلح مجلس الشيوخ على طبخة القانون النسبي. وهذا التفسير لبيانه يستند الى ما يقوله عارفوه عن انّ مسار تعاطيه مع الازمة بعد 15 أيار، سيكون مختلفاً عن المسار الذي انتهجه قبل هذا التاريخ. ويعتقدون انه سيتّسِم بمقدار كبير من التصعيد الدفاعي الذي سيبقى مفتوحاً على تكتيكات هجومية ايضاً.
وفي عين التينة يقولون إنّ بري يُصبِح «صعباً» حينما يشعر أنّ احداً يريد ان يرسم له صورة توحي بالضعف. وينقلون عن مناخات قصر عين التينة، سيلاً من الشكوك القاطنة في زواياه وكواليسه في انّ التيارين البرتقالي والازرق لا يريدان النسبية، بل قانون الستين، وهدفهما من ذلك حصد أكثرية لهما مع «القوات اللبنانية» في مجلس النواب.
وتجزم هذه الشكوك بأنّ تيارَي «الوطني الحر» و«المستقبل» أنجزا توافقهما على التحالف بينهما في الانتخابات المقبلة، وذلك على اساس أن يتفاهما بعد معرفة قانون الانتخاب حول كل منطقة في حدّ ذاتها (اي تحالف بالقطعة). وكلاهما يعتقد انّ قانون الستين يحقق لهما مقاعد نيابية اكبر ممّا يحققه لهما أيّ قانون آخر.
حتى حصيلة «الانصات اليَقظ» التي يجريها «حزب الله» وحركة «امل»، للتسريبات المنسوبة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في لقاءاته الخاصة، بهدف استيضاح موقفه الحقيقي من قانون الانتخاب، فهي اتّسَمت حتى الآن بأنها متضاربة وغير واضحة ولا تحسم شكوك حارة حريك وعين التينة، في شأن حقيقة موقفه وما اذا كان يختلف عن موقف باسيل المعلن.
فخلال الفترة الماضية القصيرة، تسرّبت ثلاثة آراء منسوبة الى عون على ذمّة الرواة. يُعرب في إحداها عن ميله الى قانون النسبية الكاملة، مع تحميله مسؤولية فشل إقراره الى موقف وليد جنبلاط المعادي له.
فيما يتحدث رأي ثان منسوب اليه، عن عزمه على مواجهة الفراغ بالذهاب الى انتخابات على اساس قانون الستين النافد، ولو تحت إسم آخر. امّا الرأي الثالث المنقول عن محيطين بعون، فيزعم انّ رغبة عون بقانون الستين تتأتى من اقتناعه بأنه يعرف عن ظهر قلب ما له وما عليه إنتخابياً بموجبه، وعليه فلماذا يغامر «التيار الوطني الحر» بدخول انتخابات وفق قانون النسبية غير المُختَبَر لديه قبله، والذي لا يمكن التكهن بنتائجه؟
وتوجد الازمة الراهنة الذاهبة كقطار سريع الى حائط 19 حزيران، بين رهاني طرفيها المتصادمين، بري وباسيل. والمفارقة انه مثلما ينتظر بري ماذا سيفعل «حزب الله» مع حليفه باسيل، فإنّ الاخير ينتظر ماذا سيفعل الحزب مع حليفه بري، لجسر هوة التباينات بينهما.
حتى اللحظة لم يقل نصرالله كلمته التي تعبّر عن مصالح المكوّن الشيعي الذي ينتمي اليه داخل معادلة النظام في البلد، فهو حتى اللحظة وحتى 19 حزيران سيستمر في الدعوة الى التهدئة وتخطي الفراغ عبر التوافق على إنتاج قانون إنتخابي.
وفي تاريخ العلاقة بين «حزب الله» والتيار العوني، يوجد «تقليد الهاتف الساخن» الذي طالما يستخدمه باسيل لمحادثة نصرالله من خارج جداول اللقاءات المعدة والمحددة مسبقاً بينهما، وبموجبه يطلب باسيل موعداً عاجلاً معه لمنقاشة قضايا طارئة.
ويُستجاب للطلب عبر تحديد ساعة يجري خلالها باسيل من مكتب مسؤول في «حزب الله» حواراً عبر هاتف عسكري داخلي مع نصرالله. وقبل عام من ترشيح «المستقبل» عون لرئاسة الجمهورية إستخدم باسيل «الخط الساخن» لإيضاح معلومة وصلت الى الحزب تفيد أنّ «المستقبل» عرض عليه ان يكون مرشحاً للرئاسة بدلاً من عون الذي هناك صعوبة في تسويق ترشيحه عربياً.
وقبل عدة أسابيع استخدم باسيل «الخط الساخن» نفسه للبحث مع نصرالله في القضايا العاجلة المستجدة والخاصة بانتشار الشكوك في مواقفه. ولم يعرف فحوى ما دار في هذه المحادثة الهاتفية، لكنّ الأكيد انها لم تكن كافية لنزع فتيل التوتر بينه وبين بري.
في البيئات المشتركة بين الحزب و«التيار الوطني»، باتت هناك خشية من انّ الخط الهاتفي الساخن بين نصرالله وباسيل يواجه اليوم تبدُّد حرارته، وأصبحت هناك شكوك في أن يستخدم مرة جديدة.