نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية تقريرا، بينت فيه أطوار القصة الخرافية لتألق النجم المصري محمد صلاح، في موسمه الأول بقميص نادي ليفربول الإنجليزي، فضلا عن قدرته على مقارعة أساطير اللعبة بأدائه غير المعهود.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21“، إن العديد من الأشخاص المهووسين بكرة القدم يؤمنون بمعتقدات مقدسة حيال هذه اللعبة. ويتسبب هذا الهوس في عزلهم عن العالم لمدة قصيرة، لكن كرة القدم نفسها تمتد لتفرض حضورها في مجالات أخرى من الحياة. ويبدو هذا الأمر جليا من خلال تألق محمد صلاح، النجم المصري الشاب، خارج الملاعب، ليسطع نجمه في سماء الكرة ووسائل الإعلام الأوروبية، على حد السواء.
وتطرقت الصحيفة إلى تخصيص برنامج “تين أو كلوك نيوز”، الذي يعرض على قناة “بي بي سي وأن”، فقرة كاملة للحديث عن النجم المصري محمد صلاح، ابتداء من نشأته في مدينة نجريج المصرية، ووصولا لاعتلائه منصات التتويج وتسلم الجوائز الفردية هذا الموسم. وأفادت مقدمة البرنامج، فيونا بروس، بأن تألق نجم ليفربول منذ بداية الموسم أدى لنشأة حملة جارفة من الدعم يقودها مشجعو كرة القدم حول العالم.
وأضافت الصحيفة أن ما قدمه صلاح خلال هذا الموسم ساهم في تدوين اسمه في سجلات كرة القدم، ما سيسمح للمشجعين بتذكره لسنوات عديدة. ولا يقتصر الأمر على اعتراف العالم بمحمد صلاح كلاعب كرة قدم بارع فحسب، بل إن ما قدمه النجم المصري داخل ملاعب كرة القدم جعل منه ظاهرة ثقافية خارجها، ونموذجا للكفاح في ظل تجربة إنسانية لا تخلو من المعاناة.
وأشارت الصحيفة إلى الاعتراف والتبجيل الذي يلاقيه صاحب الرقم 11 في أوروبا، حيث عرض المتحف البريطاني في لندن، خلال الأسبوع الفارط، حذاء صلاح الرياضي كجزء من عرض “مصر الحديثة” الذي كان يقدمه. كما تفيد تقارير صحفية بأن حوالي مليون مصري أدلوا بأصواتهم لمحمد صلاح أثناء الانتخابات الرئاسية خلال شهر آذار/ مارس الماضي.
وأضافت الصحيفة أن محمد صلاح بات بطلا قوميا في مصر، حيث يسمى الأطفال حديثي الولادة تيمنا به، بينما تتغير أسماء الشوارع والأنهج لتوسم باسم صلاح في نجريج. لكن عطاء نجم ليفربول والمنتخب المصري لم يتوقف عند هذا الحد، فقد تكفل بشراء آلة لغسيل الكلى في قريته، فضلا عن بناء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، وتمويل عمليات بناء مدرسة ومسجد.
وبينت الصحيفة أن تبجيل صلاح تجاوز حدود أرض الفراعنة، ليقوم ملك السعودية بمنحه قطعة أرض في مكة، اعترافا منه بدوره كملهم للمسلمين والعرب في جميع أنحاء العالم. وبطريقة ما، يلامس محمد صلاح الأماكن التي تحاول كرة القدم الحديثة بلوغها، إلا أن ذلك لا يمنع وجود شعور غريب يكتنف قصة محمد صلاح الخرافية هذا الموسم.
وأوضحت الصحيفة أن الأشخاص الذين يتابعون كرة القدم بشكل يومي ويتابعون فعاليات أندية كرة القدم بهوس، هم الذين يصنعون أسطورة اللاعبين. والجدير بالذكر أن هؤلاء المشجعين يجدون في متعة كرة القدم جائزة مقنعة نظير المبالغ الكبيرة التي ينفقونها في تنقلاتهم لتشجيع فرقهم ولاعبيهم المفضلين، فضلا عن تضحياتهم اللامتناهية، التي دفعت بالبعض إلى وضع موعد زفافه بعد النظر في مواعيد مباريات كرة القدم.
وأوردت الصحيفة أن المشجعين يرتبطون ارتباطا وثيقا بكرة القدم، التي تميل في بعض الأحيان لأن تكون انعكاسا للطبيعة البشرية الفاسدة، خاصة أنها تتضمن مظاهر الفساد والجشع والعنصرية. ومع ذلك، تسعى الجماهير لإيجاد شيء نقي للتمسك به، وهنا يبرز دور محمد صلاح، الذي يظهر ليملأ هذا الفراغ.
وقالت الصحيفة إن محمد صلاح ساهم في بناء الجسور التواصل بين الثقافات، وتوحيد الناس من مختلف الأديان والخلفيات، فضلا عن إصلاح النسيج الاجتماعي لمشجعي كرة القدم. وحتى مع اقتراب موعد نهائي دوري أبطال أوروبا وفعاليات كأس العالم لكرة القدم، فإن تكويننا لمقاربة نهائية تتعلق بأفضل أداء قد يقدمه صلاح يمثل أمرا شبيها بالحلم بالنسبة إلينا.
ونوهت الصحيفة بأن توقع مواصلة النجم المصري تسجيل الأهداف وتقديم الأداء الحالي يعد أمرا مستحيلا، كما أن تحميل صلاح مسؤولية ملء الفراغ الذي سيخلفه اعتزال رونالدو وميسي ليس بالمهمة السهلة، نظرا لأن كل لاعب عرضة للمرور بفترة فراغ. وسيكون لصلاح مبارياته السيئة، وأخطاؤه المتعددة، فهو إنسان في نهاية المطاف. لذلك، فلنأمل ألّا يتجه المجتمع الكروي لإبداء رد فعل قائم على التشويه، ويواصل كتابة أطوار القصة الخيالية الحالية لمحمد صلاح.
وفي الختام، ذكرت الصحيفة أن صلاح يحظى بتبجيل الجماهير الكروية حول العالم، ويمثل مصدر إلهام بالنسبة للكثيرين، ومسيرته تذكرنا بأن هناك وجودا فعليا للأبطال في عالمنا. في المقابل، لا تنسجم كرة القدم، مثل الحياة، مع أمثلة جيدة من الخير والشر، إلا أن قصصا مثل رواية محمد صلاح الخرافية تجعلنا نأمل في ألّا يستمر الحال على ما هو عليه.