عاد الحديث في الآونة الأخيرة عن مخطط للواجهة البحرية في طرابلس والميناء، إذ عُرضت دراسة للـUNDP على مجلس بلدية الميناء، ومورست ضغوط على الأعضاء للتصويت عليها فور عرضها، من دون مناقشتها، ما استدعى ضغوطاً مقابلة أسفرت عن فرصة عشرة أيام لمراجعة هذه الدراسة، قبل التصويت عليها في 26 الشهر الجاري… فماذا تتضمن؟
عُرض أخيراً على المجلس البلدي في الميناء دراسة بعنوان «تقييم وتصميم أنشطة إعادة التأهيل اللازمة لمنطقة الميناء الساحلية وواجهة الكورنيش»، أعدتها شركة Team International بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، وتقدَّر مدة تنفيذ هذا المشروع بعامين ونصف وبكلفة 17 مليون دولار.
تركز هذه الدراسة على توحيد مشهد الكورنيش البحري ليصبح أكثر تناغماً؛ مساحات خضراء؛ ملاعب للأطفال؛ حمامات عامة؛ إنارة عامة تعتمد على الطاقة الشمسية و LED؛ تنظيم السير ليتناسب مع كثافة الحركة المرورية؛ تسهيل حركة المشاة من المدينة القديمة إلى الكورنيش؛ خطوط سير للدراجات الهوائية والمشاة؛ تجهيز البنية التحتية من صرف صحي ومياه ومياه أمطار وكهرباء؛ تنظيم مواقف السيارات وحصرها بجانب الرصيف الداخلي للكورنيش مع توصيات باستحداث مواقف في المساحات الفارغة أو التي قد يخليها الجيش مستقبلاً؛ استحداث خطوط للنقل العام مع توصيات للقطاع الخاص لتشغيل باصات نقل عام على طول الكورنيش؛ استحداث بنية تحتية خاصة بالأكشاك مع توصية بتوزيعها على طول الشاطئ، بحيث تفصل مساحة 300 متر على الأقل بين كل منها، وأن تكون موحدة الشكل دون كراسي وطاولات.
تجري محاولة رفع عامل الاستثمار خدمة لمشاريع سكنية وسياحية خاصة
يقع النطاق الجغرافي لهذه الدراسة من منطقة البوابة في الميناء إلى الملعب الأولمبي التابع لبلدية طرابلس، وتبدأ من حدود الأملاك الخاصة وتنتهي عند حدود الأملاك البحرية. أي لا تتعدى حدود الكورنيش الحالي. لكن الأمر اللافت أنها لم تعرض على مجلس بلدية طرابلس، ولم تُنظم أي اجتماعات أو ورش عمل بين الجهات العاملة على الدراسة والبلدية، إذ كان التنسيق والتركيز منصباً فقط على بلدية الميناء.
تعدّ الدراسة المذكورة تحديثاً لدراسة Pacem، التي أعدت عام 2010 بتعاون مع جامعة تولوز وبلدية مارسيليا الفرنسية بتمويل من الاتحاد الأوروبي واعتمدتها «استراتيجية الفيحاء 2020» ضمن مشاريعها الأربعة والعشرين، وكانت تهدف إلى ترتيب الحيز العام وإعادة التواصل بين الحيز المبني والبحر، الإفادة من المدينة القديمة والمرافئ والواجهة البحرية والجزر، وتتضمن إنشاء أكواريوم ونادي غطس ومسابح شعبية وأماكن مخصصة للرياضات المائية ضمن رؤية تنموية متكاملة تراعي الحفاظ على الأملاك العامة والبيئة، بتكلفة لا تتجاوز 35 مليون دولار، ولكنها لم تحظ بمساعٍ جدّية لتأمين التمويلات اللازمة لتنفيذ مشاريعها. أما الدراسة الحالية فقد اجتزأت أقساماً مهمة لم تتطرق إليها. وبحسب مصدر مطلع، «ابتعدت UNDP عن التخطيط لتنظيم الأملاك البحرية بما فيها المسبح الشعبي ومرفأ الصيادين والجزر، بناء على طلب رئيس البلدية، نظراً إلى التحفظات والمخاوف من الشهية المفتوحة على شاطئ الفيحاء».
حجج تمويل المشروع
جرى الترويج للدراسة الجديدة وشارك سياسيون ورجال أعمال في ممارسة الضغوط للتصويت عليها فوراً، بحجة أن الأموال المؤمنة لتنفيذ المشاريع قد تطير. إلا أن المبالغ المؤمنة لا تتعدى مليونين و300 ألف دولار، مقسمة كالآتي: 500 ألف دولار وفر من قرض مشروع الصرف الصحي البالغة تكلفته 5 ملايين دولار من الصندوق الكويتي، الهادف إلى تحويل المياه المبتذلة عن المصبات البحرية إلى محطة التكرير، ومليون و800 ألف دولار توافرت من خلال منظمة العمل الدولية عبر وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية ضمن برنامج العمالة المكثفة القصيرة المدى لدعم المجتمع المضيف للاجئين السوريين، الهادف إلى تشغيل عمالة مؤقتة مناصفة بين العمالة اللبنانية والسورية. ومن المتوقع استخدام الأموال المتوافرة حالياً لتنفيذ المرحلة الأولى منه لجهة الرصيف الداخلي للكورنيش، على أن يستكمل الباقي على مراحل في حال توفير الـ15 مليوناً الباقية، إلا أن هذا التمويل صعب، نظراً إلى أن الجهات الممولة لا تجده من أولويات المدينة.
الهدف رفع عامل الاستثمار
ما جرى أشاع تساؤلات كثيرة: لم أهملت دراسة Pacem؟ وما مدى الترابط بين هذا المشروع وطلب تعديل المخطط التوجيهي للواجهة البحرية في مدينتي طرابلس والميناء لرفع عامل الاستثمار؟ وما علاقة ذلك بمشروع Tripoli sea land المملوك من يوسف فتال؟ وما علاقته أيضاً بالعقار 1304 المستحدث في البحر؟ ومشروع ردم مليون متر مربع؟
يقول مسؤول UNDP في الشمال، آلان الشاطري، إن «المشروع يهدف إلى ترتيب الحيز العام في كورنيش الميناء، ولا علاقة له من قريب أو بعيد برفع عامل الاستثمار أو تغيير المخطط التوجيهي للفيحاء، وأن البرنامج ملتزم معايير الأمم المتحدة».
وكان رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين، قد صرّح مراراً بأنه لن يسمح لحيتان المال بالتعدي على الأملاك البحرية، ولا بأي مشروع يخالف القانون. ولكن كان لافتاً أن تقدّم بلدية الميناء طلباً لمديرية التنظيم المدني بتاريخ 28/6/2017 معززاً بقرار من مجلس اتحاد بلديات الفيحاء بتاريخ 8/7/2017، يرمي إلى «إعادة دراسة المخطط التوجيهي لمنطقتي بساتين طرابلس وبساتين الميناء المقابلة للواجهة البحرية، وذلك لضرورة إنشاء نظام عام متقدم للمنطقة يأخذ بالاعتبار أهمية الواجهة البحرية السياحية».
وعلى الرغم من أن موضوع الطلب لم يتطرق مباشرة لعامل الاستثمار، إلا أن المقترح المرفق يوضح الآتي: تقسم المنطقة إلى ثلاثة صفوف بحسب قربها من البحر، وفي حال ضمّ عدة عقارات لتصبح وحدة عقارية واحدة تفوق مساحتها 6000 متر مربع، يسمح بالاستثناء الآتي:
الصف الأول: (الواجهة البحرية) يُضاعَف عامل الاستثمار العام مرتين، لتصبح 2.4 مع الإبقاء على الاستثمار السطحي 60%، بالإضافة إلى السماح بإنشاء أبراج مهما بلغ ارتفاعها.
الصف الثاني: (العقارات الخلفية) يُضاعَف عامل الاستثمار العام مرة ونصفاً لتصبح 1.8 مع الإبقاء على الاستثمار السطحي 40%، بالإضافة إلى زيادة الارتفاع الأقصى لتصل إلى عشرة طوابق (30 متراً).
الصف الثالث: (كل ما بقي) يُضاعَف عامل الاستثمار العام 1.2 لتصبح 1.8 مع الإبقاء على الاستثمار السطحي 60% والإبقاء على الارتفاع الأقصى ستّ طبقات (18 متراً).
وقد حدد المقترح أرقام العقارات المطلوب تعديل المخطط التوجيهي العام لأجلها.
علم الدين: الميناء ليست أقل من بيروت ودبي
في اتصال هاتفي مع رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين، قال إن شاطئ الميناء بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب وتنظيم قاسٍ بعد أن تحولت المنطقة إلى عشوائيات، مثل حارة التنك والحارة الجديدة وبرج الحمام، كذلك إن بناء المطاعم يجري عشوائياً، لذا أطمح إلى ترتيب الواجهة لتكون ليست بأقل مستوى من بيروت ودبي. أما المقترح، فقد رُدّ من مديرية التنظيم المدني، وهو مرهون بدراسة يعدها، وقد يجد ذلك مناسباً وقد لا يجده، هذا عدا عن أن قانون البناء يسمح لمن يمتلك عدداً من الأراضي بضمّها والاستفادة من رفع عامل الاستثمار غير المحدود، مع العلم أني لا أملك أراضي هناك، ولا أحد على الواجهة البحرية في الميناء يمتلك عدداً من الأراضي».
قد لا يمتلك أي مستثمر عدداً من العقارات في الميناء الآن، وقد يمتلكها بأسماء مختلفة، كذلك من السهولة بمكان تملك عدد من الأراضي المتجاورة ما دامت الأموال متوافرة. وهذا يستوجب التساؤل: هل تُعد المخططات التوجيهية وفق متطلبات آنية أم رؤية مستدامة؟ وما علاقة أصحاب المشاريع الخاصة بالأمر؟
مشروع Tripoli Sealand المستفيد
ليس خافياً أن يوسف فتال ونجله يملكان 9 عقارات متجاورة على الواجهة البحرية التابعة لنطاق بلدية طرابلس، استحصل عليها بنظام الإحلال والتبديل في مشروع الضم والفرز. وكان قد تقدم بطلب للحصول على التراخيص اللازمة عام 2012 لمشروع Tripoli Sealand لإنشاء مشروع عليها يهدف إلى إقامة 24 مبنىً سكنياً، ارتفاع كل منها يفوق 50 متراً وبرجين يبلغ ارتفاع كل منهما 80 متراً، ومجمع تجاري وفندق 4 نجوم ومحطة وقود وموقف سيارات أرضي وطبقتين سُفليَين (3355 موقف سيارة)، إضافة إلى ردم ما لا يقل عن 87 ألف متر مربع بامتداد 350 متراً في البحر، على أن تبقى حصراً لرواد المارينا. وقد لاقى المشروع معارضة شديدة، وما زال، من أعضاء في المجلس البلدي وفعاليات سياسية، ومن منظمات مجتمع مدني، وتصدت له «حملة بحرنا برنا» على مدى ثلاث سنوات، إذ إنه تضمن 40 مخالفة قانونية وبيئية وهندسية. وها قد عاد الحديث عنه مجدداً بعد طلبات تعديل عامل الاستثمار لتتوافق مع متطلبات المشروع، مستخدمين كالعادة الترويج المضلل له بتوفير آلاف فرص العمل. وينتشر عبر وسائل التواصل ما مفاده أن المستثمر نفسه تملّك ما سمي «العقار 1304» المستحدث على المسطح المائي للمتنزه البحري لشاطئ الميناء، ليحل محل مدعي الملكية بانتظار القضاء للبت فيه. هذا إضافة إلى تلميحات إلى صفقات عُقدت خلال مؤتمر برشلونة الأخير للمضي بمشروع «مدينة الواجهة البحرية» الهادف إلى ردم مليون متر مربع والعائد لشركة طرابلس القابضة للتنمية، التي يُعَدّ مالك مشروع Tripoli Sealand أحد مؤسسيها.
(الاخبار)