تتزايَدُ الإشاراتُ إلى أن لبنان تَحَوَّلَ في لحظة الـ«لا حرب ولا سلم» في المنطقة «ساحةً خلفيةً» لـ«ربْطِ نزاعٍ» إيجابي بين المتصارعين يتجلّى في تحييده عن بريد «الرسائل بالنار» على الجبهة الأميركية – الإيرانية والتلاقي الضمني على صوْن استقراره وجعْله مساحةً لحفْظ «خط الرجعة».
وأَبْرَزُ ترجمةٍ لهذه الإشارات، التي تبقى «صالحةً» خارج سيناريواتِ أيِّ حربٍ شاملةٍ، تشكّلها الإيجابياتُ المتواليةُ على تخوم ملف النزاع الحدودي البحري – البري بين لبنان واسرائيل، إلى جانب «التلقُّف» الدولي لإنجاز مشروع موازنة 2019 وإحالته على البرلمان كـ«ممرٍّ سريعٍ» لبدء تسييل مقررات مؤتمر «سيدر» ومخصصاته للنهوض الاقتصادي – المالي.
وفي الملف الحدودي، اكتسبت محادثات مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد في بيروت أمس، بُعداً جديداً باعتبار أن هذه الجولة من الوساطة المكوكية ظلّلها أوّل مرونة معلَنة من تل أبيب في ما خصّ مفاوضات الترسيم عبّر عنها تأكيد تصريح وزير الطاقة يوفال شتاينيتز، موافقة بلاده «على إجراء محادثات عبر أميركا للتفاهم حول ترسيم الحدود (مع لبنان) بما في ذلك في قاع البحر الأبيض المتوسط، على أن تشمل المباحثات مواقع ابار الغاز التي اكتشفتها تل أبيب».
وتَرَدّد صدى الإيجابية الاسرائيلية في بيروت حيث نُقل عن مصادر وزارة الخارجية، أن ساترفيلد، الذي التقى كبار المسؤولين آتياً من اسرائيل، حَمَلَ جواب تل ابيب على الطرْح اللبناني المتعلّق بترسيم الحدود البرية والبحرية وأن الموافقة «جاءت وفق هذا الطرح وأن لا عوائق جوهرية أمام تطبيقه»، مع تأكيد أن المسألة لا تزال تحتاج لجولاتٍ تمهيدية ذهاباً وإياباً (لساترفيلد) وأن لمساتٍ أخيرة توضع على شكل المفاوضات ودور الأطراف المعنية بها وهي الأمم المتحدة ولبنان وإسرائيل في ظل مواكبة أميركية، وأن الجلسات ستُعقد في مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة، وسط تقارير أشارت إلى أن لبنان يطلب أن تتولى الأمم المتحدة تدوين المحاضر على أن يكتفي الأميركي بدور الوسيط، وأن المتفاوضين سيكونون من العسكريين الذين بامكانهم الاستعانة باختصاصيين في ترسيم الحدود البحرية إذا اقتضتْ الحاجة.
وفي رأي أوساط سياسية أن الخطوة الى الوراء وأكثر التي قام بها كل من «حزب الله»، عبر قبوله بالوساطة الأميركية بعد اعتراضٍ «بالفم الملآن»، واسرائيل من خلال موافقتها على رعاية الأمم المتحدة وتَزامُن بتّ النزاع البري والبحري وسط تقارير عن أن التفاوض لن ينطلق من «خط هوف» الذي سبق ان اشترطه الأميركيون كسقفٍ لمعالجة مسألة المنطقة المتنازَع عليها بحرياً بين لبنان واسرائيل (860 كيلومتراً مربّعاً)، يعكس تَقاطُعَ مَصالح غير مباشر على قاعدة أن واشنطن وتل ابيب تستفيدان من إطلاق مسارِ «السلام البري – البحري» في إطار المزيدِ من نزْع الذرائع من أمام سلاح «حزب الله» ومحاولة النأي بالجبهة اللبنانية – الاسرائيلية عن خط المواجهة مع إيران، فيما تشكّل طاولة التفاوض «منصة تبريدية» يحتاج إليها لإبعاد شبح أي حرب مباغتة.
وما عزّز التوجس من وجود قطب مخفية وراء المرونة الاسرائيلية، ما نُقل عن أوساط رئيس البرلمان نبيه بري قبيل استقباله ساترفيلد من رفْض أي محاولة لربْط ملف الترسيم بسلاح «حزب الله»، الأمر الذي عكس خشية من «مطبات» يمكن أن تعترض المشوار التفاوضي وهو ما تُرجم بكلام لبناني عن «اننا نريد الخروج من المفاوضات بوضوح يشبه الدخول إليها».
وفي موازاة ذلك، كان إقرار مشروع موازنة 2019 في مجلس الوزراء يستدرج ترحيباً دولياً لافتاً وذلك حتى قبل اكتمال النصاب الدستوري للموازنة التي يفترض إقرارها في البرلمان في غضون شهر ونيف، وسط رصْد لما إذا كان «الغربال» النيابي سيُبقي على أرقامها وإجراءاتها الضريبية وغير الضريبية كما هي (تراجع معها العجز الى الناتج المحلي على 7.59 في المئة)، في ضوء إطلاق غالبية الأطراف السياسية إشارات الى أنها سـ «تكمن» لبعض هذه الإجراءات في مجلس النواب.
وفيما انعكس بتّ الموازنة إيجاباً على الأسواق المالية حيث نقلت «رويترز» عن «آي.اتش.اس ماركت» ان «تكلفة التأمين على دين لبنان لخمس سنوات انخفضت 23 نقطة أساس إلى 847 نقطة أساس بعد موافقة الحكومة على الموازنة»، بدا ترحيب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان بإنجاز مشروعها، وأمله «بأن يتم اقرارها في أسرع وقت بعد مراجعة شاملة ومعمقة»، وكأنه يمهّد الطريق لتدشين مرحلة استفادة «بلاد الأرز» من مخصصات «سيدر» وبدء الإفراج عنها تباعاً، وهو ما يُتوقَّع أن تطلق صافرته فعلياً عقب زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت اوائل الصيف بعد أن يكون مجلس النواب أصدر الموازنة بقانون.
الراي الكويتية