جاء في نداء الوطن:
بعد أخذ وردّ وتشكيك حسمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية الموعد، معلنةً أنّ الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان سيزور لبنان بين 25 و27 تموز. وحسب البيان فإنّ «الزيارة الثانية تأتي في إطار مهمته في التسهيل والوساطة، بهدف إيجاد الظروف المؤاتية للوصول إلى حل توافقيّ لجميع الأطراف المعنيين بانتخاب رئيس الجمهورية».
ويأتي البيان الرسمي بعد غموض وتأجيل، ثم الإعلان عن مواعيد متكرّرة. يعود الموفد الرئاسي الفرنسي وقد سبقه اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة، والبيان الذي صدر عن المجتمعين وشكّل مفترقاً، إذ إنّه استبعد كلياً فكرة الحوار التي كانت طرحتها فرنسا، وتضمّن العودة إلى لغة التهديدات والعقوبات، بما يوحي أنّ تأزّماً ما حصل في المنطقة وأعاد ترتيب المواقف على قاعدة الخارطة القديمة. كان واضحاً في الدوحة أنّ أميركا والسعودية انتزعتا ورقة القرار في اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان.
لم يحقّق اجتماع الدوحة الكثير، ولم يعلن تفويض فرنسا وموفدها، بل أتى بمثابة ورقة نعي لمبادرة فرنسا القديمة أو مسعاها الذي حاولت طرحه في اللجنة الخماسية فلم تجد من يلاقيها إلى منتصف الطريق. ولأنّ الشيء بالشيء يذكر فهي تأتي أيضاً غداة إعلان عزم لودريان إنهاء خدماته والتوجّه للعمل في القطاع الخاص.
ليس معروفاً ما الذي سيحمله لودريان للبنان ويتباحث في شأنه مع السياسيين خلال زيارة لن تتجاوز مدتها الساعات القليلة، ليبدو وكأنه يحمل صيغة يودعها في عهدة المسؤولين أو ليحمل جواباً عنها. حتى مساء الأمس لم يكن أيّ من السياسيين على علم بما يحمله الموفد الفرنسي وما تردّد عن اقتراح جديد ومختلف، وصفته مصادر سياسية بأنّه مجرد أمنيات بعيدة عن الواقع.
وإذا لم تحمل الزيارة جديداً فهي ستضاف إلى مجموعة الإخفاقات الفرنسية. لم يحصل أن بلغت هيبة فرنسا هذا المستوى من التراجع في الدور والحضور ولا وصلت إلى ما وصلت إليه في عهد إيمانويل ماكرون. يسلّم الخصوم والأصدقاء بأنّ فرنسا فقدت مصداقيتها منذ انفجار الرابع من آب وزيارات رئيسها المتكرّرة والكلام على حوار، ثم على تعديل النظام.
طرح فرنسا التسوية حول سليمان فرنجية – نواف سلام لم يترك لها صديقاً في لبنان باستثناء الثنائي الذي تمسّك بمبادرتها وعوّل على دورها في إقناع السعودية، وصار يتصرّف في وقت من الأوقات وكأنّ الإستحقاق نضج وأنّ خطوات معدودة تفصل رئيس «المردة» عن القصر الجمهوري. لكنّها تراجعت بعدما تبيّن لها أنّ السعودية لم تعدّل رأيها، وأنّ النواب السنّة تضاعفت حيرتهم بموقف المملكة بعد رفع «الفيتو» عن المرشحين، ثم لمست أنّ فرنجية غير متَفق على ترشيحه، فجاءت في أعقاب جلسة الانتخاب الأخيرة تتحدث عن خيار ثالث لم يرُق للثنائي.
تركت فرنسا الثنائي في منتصف الطريق، و»زعل» منها المسيحيون، ولا سيّما الموارنة، فلم يعد بإمكانها أن تكون شريكاً. منذ محاولاتها الأولى بعيد انفجار المرفأ صار واضحاً أنّ حضورها في المعادلة صار خافتاً مقابل تقدّم أميركي سعودي جليّ وواضح، بدليل إعلان شركة «توتال» التوقّف عن التنقيب تحت الضغط الأميركي في أعقاب 17 تشرين، إلى أن رعت الولايات المتحدة الأميركية اتفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل، واستلحقت فرنسا ببيان شكر على جهود لم تكن كبيرة.
منطقياً عندما حاولت فرنسا التماهي مع ترشيح فرنجية كانت أكثر واقعية في التعامل. سلّمت بمرشح القوى الأكثر نفوذاً لتوفّر الوقت، خصوصاً أنّ المرشح حليف لهذه القوى، وسبق أن كان مرشح الرئيس سعد الحريري، وكان سيتمّ انتخابه لولا تفاهم معراب. كانت تريد إنجاز انتخابات الرئاسة لتتفرّغ لشؤونها التجارية والتلزيمات التي نالتها من التنقيب إلى المرفأ. حتى أنّ توصيفها بين القوى المسيحية أنها صارت «أمّ الصفقات» ولم تعد «الأم الحنون» بعدما اعترضت أحزاب مسيحية على مواقفها من رئاسة الجمهورية ووصلت أصداء اعتراض هذه الأحزاب الى الفاتيكان، فاضطرّت الى إيفاد لودريان الى بيروت ليعلن الموت السريري لمعادلة فرنجية- سلام، ولتخسر على جبهتي علاقتها مع الثنائي ومع المسيحيين أيضاً.
لا أحد يعوّل على الزيارة، والكلّ يسلّم بأنّ انتخابات الرئاسة رحّلت إلى موعد غير مسمّى، وأنّها باتت رهن تطوّرات التواصل الأميركي- الإيراني لحلحلة المسائل العالقة والمتّصلة بالمنطقة، ومنها لبنان. لكن زيارة لودريان الثانية تأتي وفق البيان الفرنسي الرسمي، بمثابة عود على بدء، ليعود ويبحث ويحاول إيجاد الظروف في بلد عصي على الحل بوجود فريقين يملك كلاهما القدرة على التعطيل. في المرة الماضية قالها في الكواليس إنّ الحوار ضرورة، ولكن حول النظام. عبارة فضفاضة ومختلف عليها. طالما هو يعلم صعوبة الحوار وصعوبة التوافق على فرنجية أو جهاد أزعور أو الخيار الثالث، فماذا هو فاعل؟ وماذا لديه؟ إنّ غداً للبنانيين قريب.