منطق الامور المبني على جملة عوامل مهمة يدفع بسياسيين الى توقع اجراء انتخابات رئاسية في موعدها اي قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي على رغم ان الاعداد لتأليف الحكومة العتيدة يبدو كما لو انه اعداد للفراغ الرئاسي المرتقب شأنه شأن التعطيل الذي مارسه ” حزب الله” في 2014 وحتى 2016. ليس من دلائل حاسمة على نحو كلي ولكن هذه المراوحة الداخلية من ضمن دائرة مقفلة على الصعيد الاقتصادي والانهيار المستمر في قدرات الدولة وادارتها يكبر المخاوف من زيادة الانهيار ولكنه يظهر انتظارا مما تتم تعبئته بمحاولات تأليف الحكومة وما شابه من المسائل انما من دون التقدم قيد انملة لا في موضوع خطة التعافي ولا في اقرار مجلس النواب القوانين اللازمة لذلك ولا في معالجة اي موضوع. القلق من المزيد من الانهيار كما سبق ان عبرت عن ذلك دول عدة وكان اخرها الاردن على خلفية المخاوف من اهتزاز قوي للاستقرار قد يؤدي الى انسحابه على دول المنطقة يدفع دولا عدة لوضع ثقلها لانجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها في محاولة لادخال تغيير ما يساهم في تحول المشهد الداخلي وربما معه المشهد الاقليمي.
ما جرى من استنفار ديبلوماسي في موضوع المسيرات التي ارسلها ” حزب الله” سلط الضوء على ان الاستقرار في المنطقة ليس مرتبطا باسرائيل ولبنان بل بات مرتبطا اكثر من اي وقت مضى باستقرار اوروبا ووصول امدادات الطاقة اليها في الشتاء المقبل في ظل الاتفاقات الجديدة عبر مصر وتوافق دول المنطقة على صعيد استخراج الغاز من البحر. لا يمكن للبنان او للحزب ومعه ايران المس بذلك واهمية ترسيم الحدود لا تتصل بواقع مساعدة لبنان فحسب بمقدار ما يرتبط بالاستقرار في المنطقة التي عادت الولايات المتحدة تنشد اليها على هذا الاساس. و
ذلك فيما ان ايران يمكن ان تساوم على ذلك عبر ما اقدم عليه الحزب بذريعة تقوية ورقة التفاوض اللبنانية التي لم يرها لبنان الرسمي كذلك حتى لو سرب الحزب عبر اعلامه تفهم الرئيس عون لخطوته متحدثا بالنيابة عنه لعدم قدرة الاخير على النفي وحتمية ابقاء موقفه مرضيا شعبيا للحزب ومؤمنا غطاء له ودافعا في اتجاه موقف مختلف رافض للمسيرات في الموقف الرسمي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. منطق الامور يفيد بان الولايات المتحدة التي وعلى رغم عدم احتلال لبنان اولوية من ضمن اهتماماتها لم تترك الجيش اللبناني وسعت الى توفير الدعم له المباشر او غير المباشر وكذلك الامر بالنسبة الى دعم امداد مصر والاردن لبنان بالغاز عبر سوريا وكذلك قيادة وساطة مع اسرائيل لترسيم الحدود البحرية . وتقول مصادر ديبلوماسية مجددا ان مطالبة الحزب بالتنقيب عن النفط ولو من دون ترسيم يفترض ضمانات استقرار لاي شركة ستتولى ذلك لان استثمار مليارات من الدولارات لا يمكن اخضاعه لاي تهديد كلامي او عملاني بل لاستقرار مضمون لسنوات عدة مقبلة . وهذا هو التحدي الذي يقاومه الحزب ومعه ايران على خلفية تضييق الهامش لاستثمار الوضع من لبنان في اتجاه اسرائيل ما لم يختار لبنان البقاء في قوقعته بعيدا عن استثمار موارده . منطق الامور بناء على ذلك يشتري اكثر من وقت للبنان اذ يشتري له مستقبلا كذلك . ولكن بالحد الادنى راهنا الطموح هو لشراء اي وقت بما يبطىء عملية الانهيار ويحول دون الانزلاق الى وضع يهدد الاستقرار مع فقدان الخبز والاضرابات المتصاعدة وتيرتها بحيث يفترض تدعيم ذلك بالدفع الى انتخاب رئيس جديد انطلاقا من ان الفراغ الرئاسي سيترك امورا كثيرة معلقة ايا تكن طبيعة الحكومة التي ستحل محله اي حكومة فاعلة او حكومة تصريف للاعمال. وقبل اكثر من سنة كان الوسط الديبلوماسي يرى تفككا او بالاحرى تحللا للمؤسسات اللبنانية وهذا ازداد على نحو خطير جدا ابعد مما هو ظاهر للكثيرين.
يعزز هذا الاقتناع بان الضغط الذي مارسته الدول الغربية من اجل اجراء الانتخابات النيابية على رغم ما ساورها من ” ندم ” اذا صح التعبير نتيجة الضغط الكبير لاجرائها قبل ان تتباين نتائجها التي ادخلت تغييرات مهمة الى المشهد الداخلي. والانتخابات النيابية لا تكفي وحدها بل تحتاج الى استكمالها من اجل تحفيز المزيد من التغيير والذي يفترض ان يترجم في الحكومة المقبلة ما بعد انتخاب رئيس جديد. اذ ان ما يتم بحثه من اجل تأليف حكومة راهنا يبقى في اطار تلميع حكومة تصريف الاعمال فيما انها تبقي القديم على قدمه ولن تترجم التغيير الذي حصل في مجلس النواب او وفق ما يتطلع اليه الشعب اللبناني، وذلك فيما ان التعديلات التي اقترحها رئيس الحكومة ولو ضئيلة تنزع الثقة من الوزراء في حقائب اساسية كوزارتي الطاقة والاقتصاد فيما انهما تشكلان محورا هو الاهم في تداعيات ما يحصل من انهيار.
وينبغي الاقرار بان اوساطا ديبلوماسية لا ترى حلا يأتي مع انتخاب رئيس جديد بغض النظر عن فوارق في طبيعة بعض الشخصيات التي يرجح وصولها. اذ لا ينبغي التوهم بان انتهاء ولاية ميشال عون سيقفل الباب على اشكاليات كبيرة يثيرها مع فريقه على نحو لم يتسم اداءه مرة باي ايجابية تذكر بحيث بات يتحمل كل سلبيات ما يجري بالاصالة عن نفسه وبالنيابة عن حليفه الشيعي في الدرجة الاولى . ولكن كثرا يعتقدون ان التقيد بموعد اجراء انتخابات رئاسية وانتخاب شخصية يمكن ان توحي بالثقة يمكن ان يعطي نفسا للبلد بنسبة لا تقل عن 20 في المئة بحكم ما يضخه اي عهد جديد من امال فضلا عن اعطائه من الخارج والداخل فرصة لاثبات نفسه
المصدر: النهار