صحيفة الجمهورية- جورج شاهين
يعتقد مرجع ديبلوماسي غربي، كان قد أمضى الفترة الاخيرة من مهمته على تماس مع المبادرة الفرنسية ومواقف اطراف «لقاءَي باريس والدوحة الخماسيّين»، انّ الموفد الفرنسي جان ايف لودريان يحتاج الى فترة اضافية لجمع المواصفات المطلوبة للرئيس العتيد، والتي يتم «رسمها» في دول المنشأ قبل «تَجميعها»، بما يضمن «تكوين» صورة الرئيس التي يمكن «تصنيعها» في لبنان. ولذلك، طلبت فترة إضافية لاستكمال فصولها. وعليه، ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟
في لقاءٍ جَمعه بمجموعة من أصدقائه، بمَن فيهم مسؤولين وحزبيين، لم يشأ الديبلوماسي العتيق ان ينتظر نهاية الجولة الثانية لـ لودريان في بيروت ليحكم على نتائجها وما يمكن ان تقود إليه في هذه المرحلة. وهو على اقتناع تام بأنه لن يكون هناك اي تطور ايجابي على الساحة اللبنانية في ظل مجموعة المواقف – الأجوبة التي يمكن ان يتبلّغها من القادة اللبنانيين من مختلف المواقع في ظل الانقسام الحاد الثابت القائم بشكل لا يمكن أن تُزحزحه المعادلات الخارجية ولا سلسلة الأزمات الخانقة التي يعانيها اللبنانيون على مختلف المستويات، ومنها تلك الناجمة عن الازمة النقدية والمالية المُحتمَلة على عتبة نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة ومجموعة السيناريوهات القاتمة المتداولة التي أرخت بثقلها على اللبنانيين.
على هذه الخلفيات، قَبلَ الديبلوماسي، أمام إلحاح المشاركين في اللقاء، الكشف عن جوانب مهمة من تلك التي تحكمت بشكل المرحلة الثانية من مهمة لودريان ومضمونها وتوقيتها. ولذلك سعى بلغته الديبلوماسية المُتقنة الى رسم الجوانب الاقليمية والدولية المحيطة بها في ضوء ما انتهت إليه مجموعة التحركات التي سبقت «لقاء الدوحة الخماسي»ورافقته وتَلتَه، لا سيما منها تلك اللقاءات التي عقدها لودريان في قطر والمملكة العربية السعودية عشيّة زيارة وزير الخارجية القطري لطهران وما يمكن ان يكون قد عاد به من معطيات لا شَك في أنّ لها انعكاساتها على الساحة اللبنانية مهما قيل عن التفويض المطلق المُعطى لـ«حزب الله» في لبنان.
ومضى الديبلوماسي في عرضه المتردّد في انتظار اختيار الكلمات والعبارات المناسبة، لشرح التعقيدات التي أحاطت بالملف اللبناني نتيجة التداخل بين ما هو داخلي وخارجي، لافتا الى ان اللبنانيين ومنذ عقدين ونصف لم يقدّموا نموذجا واحدا لقدرتهم على ادارة شؤونهم الداخلية بلا الدعم الخارجي، خصوصا ان بعض الاطراف بات على تَماس كبير مع التطورات الاقليمية والدولية من دون النظر الى عدم القدرة على استثمارها في الداخل اللبناني. وتمنى على هذا البعض ان يتفهّم كثيراً من الحقائق القريبة من أن تكون أوهاماً، بدليل وجود من ينتظر ترجمة التفاهم السعودي ـ الإيراني على الساحة اللبنانية من موقع المنتصر، فيما كل هذه التداعيات التي بدأت انعكاساتها البطيئة وغير المطمئنة على الساحات القليلة من مناطق النزاع بينهما وفي ظل المخاوف، ما يَشي بتعثّرها في اليمن ومناطق أخرى وضعت في أولويات اهتماماتهما قبل بلوغ البحث في ملف لبنان، وهو ما يَعوق وصول تردداتها الى ساحته.
ولذلك قال الديبلوماسي انّ مَن يَطّلع على ما دار في لقاءات لودريان مع المسؤولين الكبار في كلّ من السعودية وقطر عشية اجتماع الدوحة، يستنتج ما لم يتوقفوا عنده بعد. ولذلك، لمّحَ الى اللقاء الذي جمعه اولاً مع نظيره السعودي المُستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء الوزير نزار العلولا، بحيث انه اعطى أولى الصور عن المحطة الثانية من مهمّته خصوصاً عندما اطّلع على لائحة بالمواصفات السعودية للرئيس المقبل، والتي أسقطت أسماء عدة من لوائح المرشحين الثابتين ومعهم الموعودين بدخول السباق المحموم الى قصر بعبدا لاحقاً.
وقبل أن تَتضِح معالم مهمة لودريان الجديدة كانت سلسلة اللقاءات الاخرى في قطر التي جَمعته بوزير الدولة في وزارة الخارجية القطري الدكتور محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، الذي كان يستعد بعد لقاء الدوحة الموسّع لزيارة طهران استكمالاً للتفاهمات السابقة التي تقرر فيها تقاسم المسؤوليات بين باريس وقطر، بحيث تتولى الدوحة ادارة المشاورات معها بعد سقوط فكرة ضَمّها الى مجموعة «لقاء باريس الخماسي»، والتي أسدل الستار عن البحث فيها نهائياً بعد اللقاء. وظهر واضحاً ان القرار كان يتطلب تنفيذه بالسرعة القصوى، فقَصَد الخليفي طهران الأحد الماضي، وكانت الفترة الفاصلة بين هذه الزيارة وعودة لودريان الى بيروت أمس الأول كافية لاطلاعه على نتائجها.
ولا تُغفِل القراءة ما قام به لودريان من اتصالات، ومنها اللقاء الذي جمعه بعد لقاء الدوحة بوزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان قبل عودته الى باريس وبيروت، حيث اكتملت لديه الصورة وبات واضحا لديه ان مرحلة التردد السعودي تجاه ما يجري على الساحة اللبنانية، والتي قَدّرها البعض بالاهمال، قد اقتربت من نهايتها وان الرياض ستنخرط بنسبة أكبر في المرحلة القريبة لترتيب الساحة السنية في بيروت بعد التعهّد بتأجيل أي حديث عن طاولة حوار قبل انتخاب الرئيس واعادة تكوين الساحة السنية وتَسمية من يُمثّلها في غياب المرجعية الأولى، منذ أن اعتكف الرئيس سعد الحريري عن ممارسة العمل السياسي في لبنان.
وقياساً على ما تسرّب من معلومات سمح بها الديبلوماسي فإن زيارة الخليفي لطهران لم تكن نهائية بعدما تبلّغ بِتَريّث إيراني لم يُرضِه آنِياً. فالايرانيين غير مستعدين للبحث مباشرة في ما يجري في لبنان بعدما كرروا القول انّ الامر في يد قيادة «حزب الله»، فهو يقود الساحة اللبنانية باستقلالية تامة، الأمر الذي لا يشكّل أي اقتناع لدى الاطراف الخمسة خصوصا باريس والرياض، قبل ان تقتنع قطر بهذا المنحى لكنها بقيت متسلحة بِوَعد البحث في الملف خلال الأسابيع المقبلة، وان سمع احد بزيارة قريبة لمسؤول ايراني كبير لبيروت فلن تكون مفاجأة لأحد في قطر والرياض وباريس اذا فوجِئت الساحة اللبنانية بها.
وختاماً، وقبل ان يستكمل لودريان اتصالاته في بيروت حتى مساء اليوم، يمكن ملاحظة التعديلات التي طرأت على لائحة زواره واستقبالاته. فتحتَ غطاء حَصر البحث مع المعنيين بالاستحقاق الرئاسي، سحب من التداول أي زيارة لعدد من المسؤولين، ومنهم للرئيس نجيب ميقاتي، الغارق في تفاصيل أزمة مصرف لبنان وما سيرافق الأيام القليلة من نهاية ولاية سلامة. وتفرّغ لودريان لدعوته جميع الاطراف الى اعادة قراءة التطورات مجددا وانطلاقاً من النقطة صفر، والاستعداد للجولة الثالثة في مهلة أقصاها أيلول المقبل. ولذلك سينام اللبنانيون على انّ رهانهم على جولة حاسمة لـ لودريان قد سقط، وان المرحلة هي للمراوحة السياسية والدستورية والادارية باستثناء الأمنية منها.
والى ان تنتهي عملية تجميع المواصفات الرئاسية من دول المَنشأ المتعددة قبل «تصنيعها في لبنان»، يتلهّى اللبنانيون بعضهم ببعض، وقد أجادوا المناكفات والمماحكات ولو على حساب لبنان ولقمة عيش اللبنانيين، وبَرعوا في التلهّي بطريقة ادارة فترة خلو سدة الرئاسة من شاغلها على وَقع الفشل المتمادي في معالجة أي ازمة اخرى والى أجلٍ غير محدد.