السباق على زعزعة النظام يبلغ أشدّه بين الفرقاء
د.عامر مشموشي:
تعتبر أوساط محايدة أن لجوء رئيس الجمهورية لحقه الدستوري وتعليق جلسات مجلس النواب لمدة شهر هو أسوأ الخيارات..
بعد يوم ماراثوني طويل من الاتصالات، والمشاورات على أعلى المستويات، وما رافقها من استعدادات شعبية للنزول الى الشارع لمنع المجلس النيابي من الاقدام على خطوة التمديد الثالث له، أقدم رئيس الجمهورية في سابقة هي الاولى في تاريخ الجمهورية على استعمال حقه الدستوري في تعليق جلسات مجلس النواب وفقاً للمادة 59 من دستور الطائف لمدة شهر، قاطعاً بذلك الطريق على الرئيس نبيه بري وهيئة مكتب المجلس اللذين دعيا الى جلسة عامة تعقد ظهر اليوم الخميس وعلى جدول اعمالها اقتراح قانون تقدم به اول من امس النائب نقولا فتوش، ينص على التمديد للمجلس الحالي مدة سنة مرفقاً بمطالعة طويلة تبرّر هذا التمديد.
ويجمع العديد من رجال القانون الدستوري ان القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية والقاضي باستخدام حقه في المادة 59 يعتبر ساري المفعول منذ اتخاذه والاعلان عنه، ولا يحتاج الى اي مهلة زمنية ليصبح نافذاً كمثل وجوب ان تتبلغه رئاسة مجلس النواب بصورة رسمية.
يُجمع المراقبون على انه لا يمكن ان يسجل على رئيس الجمهورية اللجوء الى استخدام حقه الدستوري بعدما وصل التحدي السياسي بين الفرقاء السياسيين الى حد الانفجار في الشارع في ظل الاستعدادات الميدانية واللوجستية التي اتخذتها الاحزاب المسيحية، المعارضة بالمطلق التمديد لمجلس النواب والمصرة في ذات الوقت على فرض قانون جديد للانتخابات مفصل على مقاسها، وان اتخذ تصحيح التمثيل المسيحي الصحيح والعادل العنوان الشعبوي له، والتلويح في الوقت ذاته بالذهاب ابعد من النزول الى الشارع، ومنع النواب بالقوة من الوصول الى الندوة النيابية، وما يقابلها من الجانب الآخر، ولا سيما من الثنائي الشيعي الممثل بحزب الله وحركة امل من رفض لكل الصيغ التي ابتدعتها مخيلة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل والتمسك بالنسبية الكاملة، التي كما يبدو، حظيت بموافقة ضمنية من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، والاستعداد الكامل لدخول هذا الثنائي الشيعي في مواجهة في الشارع، اذا ما اقتضى الأمر.
ويميل المراقبون الى ان هذه المواجهة بين الفريقين، وضعت رئيس الجمهورية، بإقدامه على تعليق جلسات مجلس النواب لمدة شهر، في مواجهة مع الرئيس بري ومع حزب الله الذي ابلغ نوابه امس زملاءهم بأن الحزب اتخذ قراره بالنزول الى ساحة النجمة والتصويت على التمديد الثالث للمجلس النيابي للحؤول دون الوقوع في الفراغ القاتل، وهو ايضا ما ابلغه الرئيس بري الى عدد من النواب امس من انه يفضل شرب سمّ التمديد للمجلس النيابي على الوقوع في الفراغ القاتل.
وفي رأي المراقبين، ان المواجهة وقعت في اي حال بين رئيس الجمهورية وتياره وحلفائه وبين رئيس مجلس النواب وحركته وحلفائه، وان كان البعض يحاول التخفيف من حدتها وإضفاء طابع المواجهة الدستورية عليها، لأنه لولا القرار الذي اتخذه الرئيس بري بتحديد موعد لعقد جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب بهدف اقرار اقتراح التمديد، لما كان رئيس الجمهورية اضطر الى اللجوء للمادة 59 من الدستور، وهو يعلم يقينا في ظل استمرار الخلاف حول قانون الانتخابات ان مدة التعليق تنتهي بعد شهر من تاريخه وتعود البلاد الى المأزق نفسه، اي الى التمديد الذي لا مفر ولا مهرب منه خصوصاً وان الاجواء التي سادت مناقشات اللجنة الوزارية في السراي كشفت عمق الهوة بين القوى السياسية، وبالتالي استحالة التوصل في المدى الذي يفصل عن انتهاء ولاية المجلس الحالي في العشرين من حزيران المقبل الى اتفاق على القانون الجديد الذي يشترطه الثنائي المسيحي للقبول بالتمديد، ولا يبقى بالتالي امام الجميع سوى واحد من امرين، إما الدخول في مجهول الفراغ او التمديد سنة للمجلس الحالي وتعهد كل القوى السياسية بالعمل معا من اجل الوصول الى قانون جديد للانتخابات على اساس معيار واحد ولا يلغي احداً او يستهدف احداً من المكونات اللبنانية.
وفي مطلق الأحوال، تعبر اوساط محايدة ان لجوء رئيس الجمهورية الى استخدام حقه الدستوري المنصوص عنه في المادة 59، وتعليق جلسات مجلس النواب لمرة واحدة ولمدة شهر وهو أسوأ الخيارات، لأن مدة التعليق تنتهي في 13 ايار المقبل، وفي حال لم يتم التوصل الى تفاهم على قانون جديد، الأمر الذي يرجحه هؤلاء، يجتمع مجلس النواب آنذاك ويقر التمديد لنفسه وفق قانون معجل مكرر يفرض على رئيس البلاد ان يوقعه استناداً الى نص المادة 56 من الدستور في غضون خمسة ايام، ويرده الى المجلس النيابي فيكون امام المجلس 12 يوماً اضافياً لاعادة اصدار القانون بـ65 صوتاً ولو من دون موافقة الرئيس.
يبقى السؤال الأبرز الذي يتم تداوله بعيداً عن ضجيج الشارع والسرايات: ماذا ستكون ارتدادات وتداعيات هذه الأزمة على الوضع الحكومي… وهل تقدم بعض القوى السياسية على سحب وزرائها منها؟