طغى موضوع عودة النازحين السوريين إلى بلادهم على ما عداه من قضايا في لبنان، حيث استنفرت القيادات السياسية والأمنية لبحث هذا الملف مع الوفد الروسي الدبلوماسي والعسكري الذي وصل أمس إلى بيروت برئاسة الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف. وأول نتائج هذا اللقاء كان الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية متخصصة من لبنان، وسوريا، وروسيا، للتنسيق بشأن خطة العودة التي سيقدم النظام ضمانات بشأنها، على أن لا يكون أعضاؤها من الوزراء، فيما بات شبه المؤكد أن يمثل الجانب اللبناني مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم، والجانب السوري رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك، على أن يقدم كل بلد لاحقاً أسماء أعضاء اللجان كاملة.
وكان اللقاء الأول مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بحضور الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، الداخلية نهاد المشنوق والدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، الوزير السابق باسم السبع، ومستشار الرئيس الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان، قبل أن يعقد اجتماع موسع سياسي – أمني في القصر الرئاسي بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الدفاع يعقوب الصراف، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير المخابرات في الجيش العميد الركن أنطوان منصور، ومدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السفير غدي خوري.
ووصف لافرنتييف لقاءاته في لبنان بالإيجابية، وقال بعد اجتماع قصر بعبدا «المطلوب توفير الظروف الملائمة لعودة النازحين، والحكومة السورية مستعدة للقبول بمن يريدون العودة».
وأضاف «الدعم الدولي مهم لتحقيق هذه العملية ونرى أن العودة اليومية لأعداد من النازحين تدل على أن لا تهديدات من قبل الحكومة السورية، وهذه إشارة مشجعة للنازحين»، ورأى أن «النزوح حِمْل ثقيل على لبنان، والدولة جاهزة للتعاون مع مبادرة إعادة النازحين».
ورأى أن «هناك نقصاً في الثقة وفي الدعم المادي في مسألة العودة، لكن هذه المسائل قابلة للحل، وقررنا إرساء تنسيق في هذا المجال، والحكومة السورية ستقدم ضمانات لعودة الحياة إلى طبيعتها».
من جهتها، أشارت مصادر الرئيس عون لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه أبدى ترحيبه بالمبادرة الروسية أمام الوفد، وأكد على «استعداد لبنان لتقديم المساعدات اللازمة لتنفيذ المقترحات عبر تشكيل اللجان أو الآلية التي ستعتمد». كما لفتت مصادر مطلعة على اجتماع قصر بعبدا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الوفد الروسي لفت إلى أن الأزمة في سوريا شارفت على الانتهاء وعودة الاستقرار؛ ما يسمح للعودة الآمنة الطوعية، وهو ما سيتم العمل عليه من لبنان والأردن، وتركيا، مؤكداً في الوقت عينه، أن النظام قدّم ضمانات بعدم اتخاذ أي تدابير بحق العائدين.
وكشف وزير الدولة لشؤون النازحين، معين المرعبي، الذي كان حاضراً في اجتماع الوفد الأول مع الحريري لـ«الشرق الأوسط» عن «أنه تم الاتفاق مع الوفد الروسي على تشكيل لجنة ثلاثية لبنانية – سورية – روسية متخصصة، على ألا تضم وزراء في الحكومة انطلاقاً من تأكيد الحريري رفضه التطبيع مع النظام السوري، وموضحاً لزائريه الانقسام اللبناني حول هذا الأمر الذي يرفضه قسم كبير من اللبنانيين وهو على رأسهم، وقد يؤدي طرحه إلى مزيد من التأزم».
وفي حين لفت المرعبي إلى أن الوفد أكد أن العودة ستكون إلى بلدات النازحين الأصلية في موازاة العمل على إعادة بناء المنازل بعيداً عن التقسيم المذهبي والطائفي، أشار إلى تأكيد الجانب الروسي على ترحيبهم بأي دور قد يلعبه لبنان للمشاركة في ورشة إعمار سوريا.
وبانتظار تشكيل اللجنة وإرسال الأسماء إلى روسيا بات من شبه المؤكد أن يترأس الجانب اللبناني اللواء عباس إبراهيم، في حين أوكل النظام السوري المهمة إلى رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك، بحسب ما أشار المرعبي. وأوضح أن «الحريري طرح أهمية مشاركة الأمم المتحدة في عملية العودة، وهو ما جاء الرد عليه من قبل الوفد بأن توثيق العودة الطوعية والآمنة من قبل المنظمة الدولية أمر أساسي»، لافتاً كذلك إلى أن «هذا الأمر سيكون محور اللقاءات التي ستعقدها موسكو في اجتماع آستانة المقبل مع مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي».
وكانت وزارة الخارجية الروسية، قد قالت أمس (الخميس)، إن الرئيس بشار الأسد أبلغ وفداً روسياً في دمشق، أنه مستعد لتهيئة الظروف للاجئين السوريين من أجل عودة آمنة إلى وطنهم.
وقامت روسيا، الداعم العسكري الرئيسي لحكومة الأسد، بدور صانع السلام في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك إجراء محادثات مع قادة إسرائيل وألمانيا هذا الأسبوع في محاولة لإعادة الاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الحرب.
وأكدت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، نقلته وكالة الأنباء الألمانية، أن الأسد «أكد أنه مستعد لتهيئة الظروف اللازمة لاستقبال السوريين العائدين إلى وطنهم بأمان وكرامة». وركز الوفد، الذي ضم مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، على «التعافي بعد الحرب، بما في ذلك تمكين السوريين اللاجئين والنازحين داخلياً من العودة إلى الأماكن التي تعتبر مساكنهم الدائمة في أقرب وقت ممكن».
كما أعلنت روسيا عن التنسيق مع الأردن، ولبنان، وتركيا لتسهيل عودة اللاجئين إلى سوريا. وفرّ أكثر من 5 ملايين سوري من البلاد منذ بدء النزاع قبل سبع سنوات، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
(الشرق الأوسط)