تَردّدتْ في بيروت وبقوّة أصداء الحرب بـ «مكبّرات الصوت» بين الولايات المتّحدة وإيران التي يَخشى لبنان أن يكون إحدى حلقاتها نظراً الى أن «حزب الله» يشكّل محوراً بارزاً في المواجهة الأميركية «المثلثة الضلع» مع طهران والتي تشمل أيضاً جبهة الاتفاق النووي و«الحرس الثوري».
وفيما كانت الأنظار شاخصة أمس على واشنطن لحسْم اتجاهات الاستراتيجية الأميركية الجديدة حيال إيران ونفوذها في المنطقة، فإن إشارات بالغة الدلالات هبّت من الولايات المتحدة مع رفْع منسوب التصعيد المتدحرج ضدّ «حزب الله» برصْد جائزة مالية (12 مليون دولار) لمَن يدلي معلومات عن اثنين من قادة الحزب (طلال حمية وفؤاد شكر)، في موازاة إعلانها ان الحزب يشكّل تهديداً للأمن الأميركي وخطراً على لبنان والمنطقة وان مواجهته أولوية للرئيس دونالد ترامب.
ولم يكن ممكناً في بيروت عزْل هذه «المراكمة» التصعيدية الأميركية بوجه «حزب الله»، والتي صودفت مع مرور 20 عاماً على إدراجه على لائحة التنظيمات الإرهابية عن موقف وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي ذهب في معرض حديثه عن احتمالات الحرب من ضمن معادلة «أن من يريد السلام عليه الاستعداد للحرب، وآمل ان يفكر اعداؤنا في الجانب الآخر في كل خطوة ضد دولة اسرائيل»، ان الجيش اللبناني صار «جزءاً لا يتجزأ من منظومة (حزب الله)».
وفيما ترصد دوائر سياسية إمكان نجاح واشنطن في أي مسعى لتشكيل تحالف دولي ضدّ «حزب الله»، وهو المطلب الذي تلاقيه المملكة العربية السعودية، فإن هذه «الرياح الساخنة» التي تتراكم من حول لبنان تجعل أوساطاً مطلعة تشبّه واقع البلاد اليوم بما كان عليه العام 2004 حين صدر القرار 1559 الذي استهدف بالدرجة الاولى الوجود العسكري السوري في لبنان ودعا إلى إنهائه في سياق عملية الضغط الدولي التصاعدي على دمشق لتغيير سلوكها آنذاك وفصْلها عن تحالفها العضوي مع إيران.
وإذا كانت تلك المرحلة فجّرتْ مسلسل اغتيالات ومحاولات اغتيال أبرزها للرئيس رفيق الحريري (14 فبراير 2005) في إطار «مقاومة الضغوط» وتغيير الوقائع لبنانياً بما يمنع أي «استثمار» لأي انقلاب في الموازين الاقليمية، فإن مَن عايشوا هذه الفترة يذكرون أنها قوبلت من مناهضي النظام السوري بمحاولة احتواء «حزب الله» داخلياً والسعي إلى «لبْننته» وطمْأنته إلى عدم وجود نيات لاستهدافه، وهو ما عاد وعبّر عن نفسه بالتحالف الرباعي الذي خيضت فيه انتخابات 2005 «جنباً الى جنب».
وبإسقاطٍ غير بعيد، تشير الأوساط المطلعة الى أن الـ 1559 ومناخاته الحاسمة تعود بطريقة أو بأخرى الى الواجهة مع فارق أن «الهدف الرئيسي» ليس النظام السوري الذي «خَرَج ولم يعد» بل «حزب الله» وعبره إيران، علماً ان أحد بنود هذا القرار يستهدف الحزب بدعوته الى «حلّ ونزع أسلحة الميليشيات اللبنانية (حزب الله) وغير اللبنانية (السلاح الفلسطيني)».
وإذ تترقب الأوساط نفسها التقرير نصف السنوي حول تنفيذ الـ 1559 الذي سيصدر عن الامين العام للأمم المتحدة في الساعات المقبلة، فإنها ترى ان «الحِراك التبريدي» داخلياً يصبّ في خانة السعي الى تحييد الداخل اللبناني ما أمكن عن الصراع الكبير الذي يلوح في الأفق بين الولايات المتحدة وإيران كما بين السعودية وإيران والذي يشكّل «حزب الله» في سياقه نقطة تقاطُع في الأهداف.
ومن هنا جرى وضْع اللقاء الثلاثي الذي جمع قبل أربعة أيام رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري في دارة النائب وليد جنبلاط في إطار تكريس الالتزام بموجبات التسوية السياسية التي تُعتبر بالنسبة الى «حزب الله» أشبه بـ «درع حماية» داخلي في غمرة «الهجمة» الخارجية عليه، وبالنسبة الى خصومه «الشرّ الذي لا بد منه» لحماية الاستقرار في ظل اختلال الموازين الداخلية لمصلحة الحزب وعدم توافر أي مقومات لمواجهة متكافئة.
ورغم اقتناع هذه الأوساط بأن الوضع الداخلي محكوم بالبقاء في دائرة التبريد باعتبار أن «حزب الله» يتفوّق على مستوى التحكّم بمفاتيح اللعبة السياسية ببُعدها الاستراتيجي وعدم رغبة خصومه في استدراج «الحريق» الآتي من الخارج، إلا انها لا تُسقِط الخشية من تحوّل الحدود الجنوبية صندوق بريد بين إيران والولايات المتّحدة من ضمن خطوط مواجهة جديدة بين الطرفيْن على امتداد المنطقة.
ومن هنا ترى الأوساط عيْنها أن لبنان سيَمضي في مسار تفكيك الملفات التي كانت حتى الأمس القريب تبدو مستعصية في محاولةٍ لإراحة الوضع الداخلي ومدّه بمقوّمات «تهدوية»، ومنها الموازنة العامة التي حُددت لها جلسات لإقرارها (للمرة الأولى منذ 12 عاماً) في البرلمان الثلاثاء والأربعاء والخميس من الأسبوع المقبل، بعدما تم إمرار قانون الضرائب لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، وسط مؤشرات توحي بوضع العناوين الإشكالية على الرفّ أو أقله إثارتها بطرق لا تشكّل اي إحراج للحريري، كالتطبيع مع النظام السوري من بوابة إعادة النازحين.
وبعد ترؤسه جلسة مجلس الوزراء اليوم، يتوجه الحريري إلى الفاتيكان، للقاء البابا فرنسيس غداً، على ان يلتقي ايضاً في زيارته التي تستمر أربعة أيام نظيره الايطالي ومسؤولين كباراً.
(الراي)