فوجئت بيروت، أمس، بـ «غيومٍ داكنة» لا تشبه طقسها الربيعي، فجعلتْ من صباحات 13 نيسان 2017 سوداوية كأنّها «تحذيرية» ما يحوم فوق لبنان الذي أحيا أمس الذكرى الـ 42 لحربٍ اندلعتْ في 13 ابريل 1975 و… قد تنعاد.
فالمشهد الخطر الذي تجنّبتْه بيروت أمس عكَسَ احتقاناً طائفياً ربما لم تشهده البلاد منذ نهاية الحرب، بسبب الصراع على قانون الانتخاب وبلوغ حافة الهاوية بالتمديد الذي لم يتمّ للبرلمان في ضوء مخْرجٍ أفضى إلى شراء المزيد من الوقت.
ولم يكن «مفاجئاً» أن يُحمل امس داعية الحوار والتسويات النبيلة سمير فرنجية على الأكفّ إلى مثواه الأخير، مغادراً المسرح السياسي المحكوم بالمنازعات الطائفية على السلطة وبانحسار فرص الحوار والمساحات المشتركة بين اللبنانيين.
ولم يُخْفِ رئيس الحكومة سعد الحريري، في شريطٍ مصوّر بُثّ على وسائل التواصل الاجتماعي قلقه حين ذكّر اللبنانيين بأهوال الحرب التي عاشتْها البلاد، طالباً «مساعدة كل واحدة وواحد منكم كي نوقف مخاطر عودة الحرب في اليوميات (…) ونلجم أنفسنا عن التصرفات والكلام الذي يغذي شبح الحرب دون قصد».
وكانت البلاد تجاوزتْ قطوعاً خطرة بعدما بلغتْ لعبة عضّ الأصابع أوْجها بإخفاقِ القوى السياسية في الاتفاق على قانونِ انتخابٍ وتحديد رئيس البرلمان نبيه بري يوم أمس الخميس موعداً لتمديدٍ ثالثٍ للبرلمان، وسط رفْض ذي طابع مسيحي كان من المرجح أن ينفجر في الشارع لولا مَخْرج ربع الساعة الأخير.
وتجلى هذا المخرج الذي تمّ التفاهم عليه في «أربعاء ماراثوني» من الأعصاب المشدودة، في استخدام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حقه الدستوري، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، بتعليق جلسات البرلمان لشهرٍ واحد، الأمر الذي أجّل جلسة «كأس» التمديد التي كانت مقرَّرة امس، وأرجأ «العقدة والحلّ» لثلاثين يوماً.
ومع تَنفُّس البلاد الصعداء في انتظار ما ستؤول إليه المساعي لتَجنُّب نقل الصدام السياسي – الطائفي الذي كان متوقّعاً أمس الى 15 مايو المقبل، الموعد الجديد الذي حدّده بري لجلسة التمديد للبرلمان، برزتْ توقّعات متناقضة لما ينطوي عليه «الوقت الإضافي» على مدى شهر من الآن.
فثمة إيحاءات أطلقها أكثر من طرف عن خرقٍ حقيقي تمّ إحرازه خلال «الساعات العصيبة» التي سبقتْ إعلان الرئيس عون «خطوته الدستورية»، وتمثّل هذا الخرق في تفاهُم الثلاثي: «التيار الوطني الحر»، وتيار «المستقبل» و«حزب الله» على الاتي:
• اعتماد صيغةٍ لقانونِ انتخابٍ تقوم على التأهيل عبر الاقتراع الطائفي وبالنظام الأكثري على مستوى الوحدات الصغرى، أي الأقضية، وعلى الاقتراع بالنسبية الكاملة في إطار الدوائر الوسطى (10 دوائر).
• تَراجُع «حزب الله» و«تيار المستقبل» عن مطلب تأهيل أول ثلاثة عن كل مقعد، والاكتفاء باثنين نزولاً عند شرط «التيار الوطني الحر».
• قبول «التيار الحر» بأن يكون الصوت التفضيلي على مستوى الدوائر الوسطى، استجابةً لمطلب «حزب الله» و«المستقبل» بعدم حصره في القضاء.
وثمة مَن تحدّث عن أن اتصالاتٍ حثيثة تجري لإنضاج التفاهم على هذه الصيغة التي حظيت بتأييدٍ من عون وبري والحريري، اضافة إلى «حزب الله»، تمهيداً لوضعها على طاولة مجلس الوزراء في جلسة يتوقع انعقادها يوم الاربعاء المقبل، في اطار التزاماتٍ متبادلة بين اللاعبين الرئيسيين بضرورة الاتفاق على قانون انتخابٍ جديد وإقراره فور عودة البرلمان للانعقاد، على أن يصار الى تمديد ولايته لمرحلة تراوح بين 3 أشهر و 6 أشهر لاعتباراتٍ تقنية.
غير ان أوساطاً أخرى تشكك في إمكان إنجاز اتفاق في غضون شهر بعدما كانت فشلت المساعي في تحقيقه على مدى أعوام، وهو ما يفسّر لعبة «القط والفأر» في المواقيت الدستورية المرتبطة بالتمديد وعدمه واستخدامها من الأطراف المتصارعة كـ «سلاحٍ أبيض» في المنازلات الجارية حول قانون الانتخاب وما يسفر عنه من توازنات داخل السلطة.
وترافقتْ هذه الشكوك مع مظاهر اعتراض علنية وأخرى مكتومة لبعض الأطراف، فزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط رأى في الصيغة المتداولة لقانون الانتخاب «ان مجرد الحديث عن تأهيل انتخابي على صعيد طائفي هو إلغاء للشراكة». أما «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع التي سبق أن تمسّكتْ بالصيغة المختلطة لأي قانون انتخاب فبدتْ حذِرة في مقاربة ما يتم تداوله، وسط معلوماتٍ عن ان جعجع لديه ملاحظات على الدوائر وانه يدرس صيغة التأهيل وإذا وجد أنها لا تؤمّن ما هو أقرب الى المناصفة الفعلية، فلن يسير بها.
(الراي)