تَنْشَغِل بيروت هذه الأيام بـ «حرائق جانبيّة» يغطّي «دخانُها» الوقتَ الضائعَ في ملف تشكيل الحكومة الجديدة الذي يراوح في دائرةِ جسِّ نبضٍ داخلي وإقليمي يرجّح أن يستمرّ إلى ما بعد عيد الفطر حيث يفترض أن يتّضح الخيط الأبيض من الأسود حيال التعقيدات الماثلة أمام قطار التأليف وإذا كانت ستُحلّ داخل البيت اللبناني أم أن صراع الأحجام والحقائب يُستخدم لإطالةِ أمدِ التريّث ربْطاً بالحِراك فوق العادي الدائر في المنطقة.
وعلى طريقة «حريق يُطفئ حريقاً»، يعيش لبنان ما يشبه «سباق البدَل» بين العناوين «المشتعلة» التي سرعان ما يجري العمل على إخمادها أو أقلّه الحؤول دون تَمدُّدها الى الملف الحكومي خشية إغراقه في المزيد من التعقيدات التي من شأنها أن تُحْبط المساعي لإنجاز هذا الاستحقاق في وقت مقبول وبما يوازن بين مسألتيْن: الأولى رغبة «حزب الله» بولادة الحكومة «أمس قبل اليوم» لاستثمار ما يعتبر أنه انتصار حقّقه في الانتخابات النيابية وترجمته حكومياً، والثانية سعي الرئيس المكلف سعد الحريري إلى تشكيلة تتكئ على التفاهمات التي أنجزتْ التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي في أكتوبر 2016 وعلى المظّلة الدولية المستمرّة للبنان والتي تمنع أي اختلال في التوازن الداخلي، ببُعده الإقليمي، لمصلحة إيران عبر «حزب الله».
وبعد مرسوم التجنيس الرئاسي الذي سلك طريق «التطهير» بإحالته من الرئيس اللبناني العماد ميشال عون على «الأمن العام» لتنقيته من أسماء تدور حولها شبهات من دون أن يتوقف كشْف وسائل إعلام محلية المزيد من فصول «صندوقه الأسود»، يبدو أن المعركة التي فَتَحها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وأطلق معها مساراً «عقابياً» تصاعُدياً ضدّ المفوضية التي اتّهمها بتخويف النازحين السوريين من العودة الى بلدهم، تتّجه إلى الاحتواء على قاعدة اكتفاء باسيل بتجميد طلبات الإقامة لموظفي المفوضية المقدّمة إلى الخارجية من دون اتخاذ أي إجراءات إضافية، وصولاً الى معاودة «الإفراج» تدريجاً عن هذه الطلبات، وسط معلومات عن أن اللقاء الذي عُقد بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية (يوم الجمعة) تخلله تأكيد الحريري ان الموقف من المفوضية والأمم المتحدة يمثّل سياسة الحكومة مجتمعة، وأنه لا يمكن أن يقبل بأحادية في هذا الموضوع أو بتجاوُزه كرئيس للوزراء.
وما عَكَس حرص الحريري على الاحتواء الهادئ لهذا الملف وتفادي أن يترك أي ارتدادات على علاقته الممتازة برئيس الجمهورية (نظراً لكون باسيل صهر عون)، مشهد «العشاء الودي» الذي جَمَع الرئيسيْن مساء السبت في «الزيتونة باي» على الواجهة البحرية لبيروت وذلك بعد مشاركتهما في افتتاح المعرض التاريخي الذي أقامته المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لمناسبة العيد الـ 157 لتأسيسها.
وأكد عون خلال الاحتفال «ان الأمن والاستقرار هما الأساس للازدهار»، مشيراً الى «ان الأمن مستتب، والمواقف السياسية سليمة جداً سواء على مستوى الخارج او الداخل، لكننا لا نسمع في بعض الصحف إلا الأخبار السيئة وهي تبنى على أمور تافهة. ونحن نأمل ان نتساعد جميعنا مع الإعلام في مسح الصورة المتشائمة عند الشعب اللبناني».
وتَرافق كلام رئيس الجمهورية مع مناخٍ أوحى بمسعى جدي لتجاوُز أزمة مرسوم القناصل الفخريين الذي وقّعه كل من عون والحريري وباسيل وقفز فوق توقيع وزير المال علي حسن خليل (من حصة الرئيس نبيه بري)، ما كاد أن يسبب باستعادة أجواء التوتر بين عون وبري حول موقع وزير المال «وتوقيعه الميثاقي»، حسب المكوّن الشيعي الراغب في تكريس هذه الحقيبة له.
وتشير معطياتٌ إلى دخول أكثر من طرف ولا سيما «حزب الله» على طريق تفكيك هذا «اللغم» مستنداً الى حرْص عون وبري على عدم العودة في علاقتهما الى الوراء، وهو ما سهّل مساعي الحزب لتذليل الإشكال حول هذه القضية وفق تلفزيون «ام تي في» الذي ذَكَر ان وزير الخارجيّة سيرسل الى وزارة المال مرسومين لتعيين قناصل فخريّين ليوقّع عليهما الوزير خليل.
وكان لافتاً أمس موقف للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي انتقد فيه بعنف مرسوم التجنيس الذي شمل أكثر من 400 شخص غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين، قائلاً إنه فيما كان الشعب اللبناني ينتظر بأمل ولادة حكومة جديدة تكون على مستوى التحديات والانتظارات والوعود، إذ بالسلطة تصدمه بمشكلة في غير محلها، بإصدار مرسوم تجنيس مجموعة من الأجانب من غير المتحدّرين من أصل لبناني. وهو مخالف للدستور في مقدمته التي تنص بشكل قاطع وواضح:»لا تقسيم ولا توطين»(الفقرة ط). «فالتوطين هو منح الجنسية لأي شخص غريب لا يتحدر من أصل لبناني».
في المقابل، هاجَم الراعي سياسة المجتمع الدولي حيال عودة النازحين معتبراً «ان جوهر الموضوع أن الأسرة الدولية لا تشجع النازحين السوريين على العودة بل تخوّفهم»، مذكراً بـ «اننا طالبنا خلال زيارتنا لباريس بفصل الشأن السياسي في سورية عن عودة النازحين إلى وطنهم وتشجيع النازحين على العودة بالتركيز على حق المواطنة وما ينتج عنها لهم من حقوق مدنية، وعلى واجب المحافظة على ثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم، بدل تخويفهم».
(الراي)