دخل لبنان مرحلةً جديدةً «رسمياً» مع بداية ولاية مجلس النواب الجديد اليوم الثلاثاء وتَحوُّل الحكومة تلقائياً إلى تصريف الأعمال وسط رصدٍ لمسار الاستحقاقات المقبلة والتي تطلّ غداً مع معاودة انتخاب زعيم حركة «أمل» نبيه بري رئيساً للبرلمان للمرة السادسة على التوالي (أي منذ 1992 ومن دون انقطاع) واختيار النائب إيلي الفرزلي، نائباً للرئيس.
وإذا كان سيناريو انتخاب رئيس البرلمان ونائبه في جلسة الأربعاء محسوماً بعد شبه الإجماع على بري والفوز المضمون للفرزلي، مرشّح تكتل «لبنان القوي» وهو الذراع النيابية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإن الأنظار مشدودة الى «الألغام» التي تعترض تشكيل الرئيس سعد الحريري الحكومة العتيدة، لا سيما في ضوء التوازنات الجديدة التي أفرزتْها صناديق الاقتراع، والاندفاعة الأميركية – الخليجية المتجددة على «حزب الله» وقيادته عبر عقوباتٍ غير مسبوقة.
وفيما عقدت الحكومة أمس جلستها الوداعية التي طوت معها 17 شهراً من المدّ والجزر على وهج عصْف التطورات الهائلة في المنطقة والتي «نجت» منها بصعوبة، ما زالت بيروت تحت تأثير الرسائل المتشدّدة التي عبّرت عنها العقوبات الأميركية والخليجية، وخصوصاً في ضوء إنهاء دول الخليج مجتمعةً التمييز بين الجناحيْن السياسي والعسكري لـ «حزب الله» الذي وُضعت قيادته من رأس الهرم على قائمة الإرهاب.
وعلى وقع تأويلات كثيرة للإعلان الأميركي – الخليجي الذي قابَلَه «حزب الله» بصمت «مدوٍّ»، انهمرت في بيروت أسئلةٌ من نوع هل وَضعتْ دول الخليج «فيتو» على أي إشراكٍ لـ «حزب الله» في الحكومة؟ وهل تخلّت هذه الدول عن خيار «المواجهة الناعمة» مع الحزب في لبنان؟ أي واقعٍ سيواجهه الحريري في مسار التأليف الصعب بعد تكليفه المتوقَّع نهاية هذا الأسبوع؟
وفي اللحظة التي تتحرّى بيروت عن إجاباتٍ حاسمة لرزمة الأسئلة المعلَّقة، كان واضحاً ان الولايات المتحدة رسمتْ خطاً بيانياً لتلك العقوبات يرتكز على مسار المواجهة المتعاظمة مع إيران ونفوذها في المنطقة، والتي بدأت تجلياتها بخروج واشنطن من الاتفاق النووي بالتلازم مع ما يشبه الحرب الاقتصادية على طهران، في الوقت الذي تزداد متاعب إيران في سورية مع الضربات المتتالية التي تشنّها اسرائيل على قواعد تابعة لها، وتُسجَّل في اليمن عملياتُ قضمٍ متدحْرجة لمناطق سيطرة الحوثيين.
مجمل هذه اللوحة المتشابكة والمعقّدة التي يختلط فيها المحلي بالاقليمي والدولي، تشكّل الملفات الأهم على الطاولة في الصالونات السياسية والديبلوماسية في بيروت التي تتحضّر لاختبارٍ غير سهل يختزل كل عناصر الصراع في الداخل والخارج، ويتمثل في تشكيل الحكومة الجديدة.
مصادر ديبلوماسية في العاصمة اللبنانية على بيّنة من الحِراك السياسي المستجدّ وتقاطُعاته، رأتْ انه ليس من الواقعية بشيء افتراض البعض أن أحداً طلب عدم إشراك «حزب الله» في الحكومة الجديدة، هو الذي خرج من الانتخابات بوضع أفضل، موضحة أن أي طرف خارجي ليس في وارد خرْبطة الوضع في لبنان وتقديم هدية ثمينة لـ «حزب الله»، رغم دلالات إنهاء دول الخليج التمييز بين الجناح العسكري والسياسي للحزب.
وكشفت هذه المصادر الديبلوماسية عبر «الراي» أن «أصل» هذه العقوبات يرتبط بأدوار «حزب الله» في المنطقة، لا سيما في اليمن ودول الخليج، مذكّرة بأن أكثر من 130 صاروخاً باليستياً أُطلقت على السعودية وتحمل بصمات «حزب الله»، الذي يشكّل رأس حربة لمشروع التمدُّد الإيراني في المنطقة.
ولم تستبعد المصادر نفسها أن تكون الحكومة الجديدة «هدية العيد» (الفطر) رغم الصعوبات التي ستواجه الرئيس المكلف، متحدّثة عن تعقيدات لا يستهان بها في مسار تشكيل الحكومة وعن «أشهر صعبة» تليها، وخصوصاً في ضوء التحوّلات في المنطقة.
وفي تقدير هذه المصادر ان الرئيس عون، الذي يدير التناقضات ببراعةٍ، يدرك أنه صاحب مصلحة في حفظ الاستقرار في البلاد وتأمين انطلاقة فعلية وآمِنة لعهده، الذي يريده أن يكون عهد الانجازات والذي سبق ان قال إنه يبدأ بعد الانتخابات، لافتة في السياق نفسه الى أن الرئيس الحريري يعمل بصدق وجدّ من أجل وضع البلاد على سكة النهوض الاقتصادي وحمايتها من ارتدادات الوضع في المنطقة.
وتحرص المصادر عيْنها على تأكيد أن الرئيس الحريري ينطلق في حركته الداخلية وفي خياراته مما يراه مناسباً، وهو يحظى بدعمٍ خليجي ودولي، آملة في أن يضع كل اللبنانيين مصلحة بلادهم أولاً، وعدم استخدام لبنان صندوقة بريد للآخرين.
وإذ استبعدت المصادر الديبلوماسية أن تكون المنطقة على أبواب حرب وشيكة، رأت أن العقوبات المشدّدة ضد طهران تفعل فعلها في الداخل الايراني، مُلاحِظةً في الوقت عيْنه ان إيران تتلقى الضربة تلو الأخرى من اسرائيل في سورية من دون أن تحرك ساكناً، قبل أن تتدارك تلك المصادر بأن الخشية تبقى من أن تعمد إيران تحت وطأة الضغوط المتزايدة عليها الى الهروب الى الأمام من خلال الدفْع بـ «حزب الله» الى تفجير الوضع في حربٍ باهظة الأثمان ربما هناك مَن يريد لها أن تكون… الاخيرة.
(الراي)