وبعد الالتباس الذي أثاره موقف وزير الخارجية جبران باسيل الذي «تبرّأ» من «إعلان الرياض» بصيغة «لم نكن نعلم أن بياناً سيصدر» ثم تأكيد مصادر رئيس الحكومة سعد الحريري التأييد الكامل للإعلان «الذي لم يأتِ على ذكر لبنان ولا (حزب الله) بل ركّز على الأدوار الهدّامة لإيران»، حصل في مجلس الوزراء الذي عقد أمس جلسة برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون ما كانت توقّعتْه «الراي» في عددها أول من أمس، بحيث تجنّب إصدار أي موقف من مضمون «إعلان الرياض» أو إطلاق أي ردّ على البيان الأميركي – السعودي الذي طالب الدولة اللبنانية بنزْع سلاح الميليشيات كـ «حزب الله»، وذلك في دلالة على حساسية أيّ انزلاقٍ للبنان الرسمي نحو سلوكٍ يضعه في مواجهة الشرعيتيْن العربية والدولية، وذلك رغم مطالبات كانت سبقت الجلسة من وزراء «حزب الله» وحلفاء له بموقف موحّد من الحكومة حيال ما شهدتْه الرياض.
وبدا واضحاً أن لبنان العالق بين مطرقة المتغيّرات الكبرى التي تلوح في المنطقة في ضوء ما عبّرت عنه خلاصات قمم الرياض وبين سندان التداعيات الداخلية المحتملة للاصطفاف العريض الذي برز خلال هذه القمم وما بعدها على «خط نارٍ» (ولو ديبلوماسي) عنوانه التصدي لإيران وأذرعها، والأبرز فيها «حزب الله»، يحاول تدوير الزوايا وإقامة «عازِل» عن انخراط الحزب في أكثر من ساحة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن هذه السياسة ستوفّر لبيروت «منطقة آمنة» في غمرة انتقال المواجهة في المنطقة، لا سيما مع إيران الى مرحلة أخرى.
ولعلّ البارز في هذا المجال كان أمس تطوران ذات رمزية كبيرة: الأول تحميل وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الحكومة اللبنانية مسؤولية التهديدات لبلاده التي أطلقها «حزب الله»، متوجّهاً إليها ضمناً «كفايه كلام فاضي وتطمينات جوفاء». والثاني قيام السلطات السعودية بحجْب موقع «tayyar.org» في المملكة، وهو الموقع التابع لـ «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) واستبداله بصفحة أخرى تابعة لوزارة الثقافة والاعلام تفيد المتصفّح بأن الموقع «مخالِف لأنظمة وزارة الثقافة والاعلام» وبالتالي اقتضى حجبه.
وجاء حجْب موقع «التيار الحر» بعد تفادي الرياض توجيه دعوة إلى عون، الذي سبق ان أطلق تصريحات مؤيدة لسلاح «حزب الله»، لحضور القمم التي استضافتْها (دعت الرئيس سعد الحريري)، وتبرّؤ رئيس «التيار» الوزير باسيل (صهر عون) من «إعلان الرياض».
وكان مجلس الوزراء، الذي تَجاوز «مطبّ» الموقف من «إعلان الرياض»، قام بخطوة إضافية على طريق المساعي لاستباق موجة العقوبات المالية الاميركية الجديدة على «حزب الله» وحلفاء له من خلال تجديد ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة 6 سنوات في خطوة جاءت من خارج جدول الأعمال، ويفترض ان تعزّز المسار الذي باشرته بيروت لتحييد القطاع المصرفي عن تداعيات أي رزمة عقوبات جديدة على الحزب.
وقبل ذلك، أكد عون في مستهل الجلسة تعليقاً على القمة العربية – الاسلامية – الاميركية التي عقدت في الرياض «وما حصل فيها من ملابسات لاسيما لجهة البيان الذي صدر» ان «البيان صدر بعد مغادرة الرؤساء والوزراء، وبأي حال نحن ملتزمون بما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري».
ثم تحدّث الحريري عن مؤتمر الرياض ومشاركة لبنان فيه، فأشار الى «التزام لبنان ميثاق جامعة الدول العربية وانتماء لبنان العربي وحرصه الدائم على ترميم العلاقات مع كل الدول العربية وباقي الدول». وأضاف: «الاعلان الذي صدر ليس مُلْزِماً، وما يهمّنا وحدتنا الوطنية والمواقف المحدَّدة في خطاب القسَم والبيان الوزاري، وما ورد فيهما واضح والمهمّ ان يستمر الجو الايجابي بين كل الاطراف السياسية وتحييد لبنان من المشاكل حوله. واضاف: «في المنطقة متغيرات عدة وعلينا ان نحيّد لبنان (…) وان سياستنا النأي بالنفس لتجنيب لبنان اي دخول مع طرف ضدّ آخر».
ولم يغب عن جلسة الحكومة ملفّ قانون الانتخاب مع بدء فترة الـ 25 يوماً الفاصلة عن انتهاء ولاية البرلمان في 20 يونيو المقبل، وسط احتدام لعبة «لي الأذرع» على عتبة الفراغ الذي تحول أداة أساسية في عملية الضغوط المتبادلة لانتزاع المكاسب والتي أعادت ضخّ الروح في قانون الستين النافذ من قبل رئيس الجمهورية كأمرٍ واقع بحال وقوع الفراغ الذي يرفضه بشكل قاطع «حزب الله». وكان لافتاً اعلان عون امام مجلس الوزراء «لن نترك اي فترة تمرّ يكون فيها فراغ بمجلس النواب، وسنعمل على الوصول لصيغة للقانون، وهذا هدفنا في المرحلة الراهنة».
(الراي)