في لحظة وقوف المنطقة أمام مشروعِ صراعٍ من نوعٍ جديد أطلّ برأسه من كردستان العراق، وفيما ستساهم زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لموسكو هذا الأسبوع في إظهار معالم التسوية المتّصلة ببعض أزمات المنطقة ولا سيما الحرب في سورية، اختار لبنان حماية الستاتيكو الذي يحكم وضعه الداخلي منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية قبل 11 شهراً وعودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة من ضمن «مساكنة» محلية – اقليمية قائمة على «ربْط النزاع» حيال الملفات الخلافية.
وجاء كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عن التمسّك بالاستقرار السياسي في لبنان وبقاء الحكومة الحالية ليلاقي تأكيد الحريري على أهمية «التوافق السياسي» باعتباره مفتاح تجنيب البلاد المنزلقات الخطرة، ويرسّخ القناعة المتزايدة في بيروت بأنّ ثمة «مصلحة متبادلة» بين «حزب الله» وخصومه في الاستمرار بوضعية «التعايش الاضطراري» تحت سقف التسوية السياسية باعتبارها في نظر الحزب أشبه بـ «مانِعة صواعق» تسمح بامتصاص موجات التشدّد الاقليمي – الدولي التي تلوح مؤشراتها وتستهدفه كما إيران، في حين ان التسوية نفسها توفّر لمناهضيه عدم دفْع أثمان مضاعفة بحال قرروا الانسحاب منها بلا أي أفق لـ «المواجهة الكبرى» ولا توافر مقوّمات خوْضها.
ومن هنا، وبعد ملامح العودة السعودية الى متابعة الواقع اللبناني وتوجيه رسائل بأنها لا تسلّم بترْكه ينزلق الى «الحضن» الإيراني، سواء من خلال تعيين سفير جديد (وليد اليعقوبي) لها في بيروت أو عبر إحياء اللقاءات المباشرة مع حلفائها في لبنان، فإن الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو وهي الأولى لعاهل سعودي منذ إنشاء علاقات ديبلوماسية بين البلدين، وُضعت تحت المجهر بقوة لما تنطوي عليها من أهمية لحصولها في غمرة تحولات تقف المنطقة وأزماتها «فوق فوهتها».
وحسب أوساط مطلعة في بيروت، فإن الدور الرئيسي الذي تتمتّع به موسكو في «لوحة التحكم بمفاتيح» عملية ترسيم النفوذ الجديد في المنطقة وتوليها مهمّة «الناظم الاقليمي»، يضعها أمام الحاجة الى مراعاة منظومة المصالح المتعددة وأحياناً المتناقضة بين لاعبين ترتبط بهم بمصالح استراتيجية او اقتصادية، كدول الخليج وإيران وإسرائيل.
وتبعاً لذلك، ترى الأوساط نفسها عبر «الراي» انه في ضوء الترقب لنتائج زيارة الملك سلمان لروسيا وما ستفضي إليه على صعيد انقشاع الرؤية حيال مسار التسويات في المنطقة كما رصْد المخاض الجديد الذي فرَضه الاستفتاء في كردستان العراق، فإن لا مصلحة لأي طرف داخلي في لبنان بمحاولة نسف التسوية السياسية ولو أن «حزب الله» لا يتوانى عن توظيفها لمصلحة أجندته في عناوين عد أبرزها التطبيع على عجل مع النظام السوري تحت عنوان إعادة النازحين الذي بات في عهدة الرئيس عون وفريقه.
وبهذه الخلفية المتشابكة جاءت مواقف السيد نصر الله في ختام مسيرة العاشر من محرم يوم أول من أمس وخطابه عشيتها، لترسم «خريطة الطريق» داخلياً وتحدد «مكامن الخطر» بالنسبة إلى الحزب خارجياً.
وفي الشق اللبناني، حذّر الامين العام لـ «حزب الله» من اي محاولة للدفْع نحو مواجهات داخلية متجددة «لأن مصيرها المحتوم الفشل»، مشيراً إلى «أهمية تجنّب الذهاب إلى صدامات وحفظ الاستقرار السياسي»، لافتاً الى «أنّنا مع استمرار الحكومة في العمل حتى تشكيل برلمان جديد»، ونافياً «ما يقال في البلد عن نيات لتشكيل حكومة جديدة»، ومشدداً على وجوب إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها (مايو 2018) «بلا أي تمديد او تعديل على القانون الذي أُقر».
وإذ أطلّ على موضوع النازحين السوريين ووجوب عودتهم التي حضّهم عليها «طواعية كانت أو آمنة» غامزاً من قناة وجوب التنسيق مع النظام السوري «فمَن يعتقد انه يريد جعل لبنان منصة لإعادة إعمار سورية، فهل سيفعل ذلك بالباراشوت؟»، حدّد عنوان خطر جديداً ارتسم بعد فشل مشروع «داعش» إذ «عادوا لمشروع الشرق الأوسط الجديد وتقسيم المنطقة والبداية من إقليم كردستان العراق»، معتبراً أن «القضية لا تتعلق باستفتاء أو بتقرير مصير بل بتقسيم المنطقة على أسس عرقية ومذهبية».
ورأى أنّ «ما يجري في كردستان العراق يهدد المنطقة كلها وإسرائيل هي الداعم الوحيد لانفصال الإقليم»، معتبراً أن «التقسيم يعني أخذ المنطقة لحروب داخلية، والتقسيم لن يوفّر الكثير من الدول».
وتوعّد اسرائيل التي «لا تتوانى عن توجيه التهديدات للبنان، وهي تواصل عدوانها في سورية وخروقها في لبنان»، وخاطب اليهود وعلماءهم ونخبهم ومفكريهم قائلاً: «استخدموكم وقوداً للمشاريع والسياسات الأميركية التي تستهدف شعوب المنطقة… إن الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو تقودكم الى الدمار، فهو يعمل على دفع المنطقة الى حرب جديدة مع ترامب، وأنا اقول لكم انكم ستدفعون الثمن غالياً نتيجة سياسات نتنياهو الحمقاء…».
ودعا «اليهود غير الصهاينة» الى «أن يعزلوا حسابهم عن حساب الصهاينة»، كما دعا «الذين جاؤوا الى فلسطين المحتلة الى مغادرتها والعودة الى البلدان التي جاؤوا منها حتى لا يكونوا وقودا لحرب تأخذهم إليها حكومة نتنياهو الحمقاء».
(الراي)