رغم محاولة بيروت إدارةَ الظهرِ لـ«الغيوم السود» التي تزدحم بها سماءُ المنطقة وكأنها اختارتْ البقاء في المَقاعد الخلفية وهي تتداول التقاريرَ عن بلوغ المواجهة الأميركية – الإيرانية حافةَ حربٍ يتفاداها الطرفان، فإن وهْجَ التطورات المتسارعة على وقع «الرسائل بالنار» لم يتأخّر في دهْم المَشهد اللبناني الذي كان حتى الأمس القريب أسيرَ قضايا محلية كـ«الكرّ والفرّ» حول موازنة 2019 على مدى نحو 3 أسابيع، و«الزوبعة» المُفاجئة التي أَحْدَثَها تَطاوُل رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر على البطريرك الراحل الكاردينال نصرالله بطرس صفير وما رافَقَها من تشظيات في أكثر من اتجاه.
فلبنان الذي بدا وكأنه صحا للتو على الأحداث المتسارعة على «رقعة شطرنج» المنطقة وهو يراقب تَحوُّل ساحات نفوذ إيران في المنطقة، الواحدة تلو الأخرى، «صندوقة بريدٍ»، من اليمن إلى العراق وسورية، أَدْرَكَه القلق من مغبّة ضمّ «بلاد الأرز» إلى حلقة الرسائل الساخنة عبر «حزب الله» رغم اقتناع بعض الأوساط السياسية بأن أي تحريكٍ لـ«الفالق» الراقد بين اسرائيل والحزب له حساباته الكبرى سواء المتصلة بعدم رغبة طهران في استدراج الولايات المتحدة إلى حربٍ لا تريدها أو بمحاذرة إيران «التضحية» بالورقة «الأثمن» لنفوذها في المنطقة، أي «حزب الله».
ولا يبدّد هذا الاعتقاد السائد خشيةَ أبلغتْها دوائرُ مطلعة الى «الراي» من تداعيات لعبة «حافة الهاوية» بين الولايات المتحدة وحلفائها وبين إيران وأذرعها على لبنان، ولا سيما في ظل محاولة طهران وضْع دول الخليج في «مرمى النار» في سياق ترسيم قواعد اشتباك جديدة، وهو ما كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله أوّل مَن أعطى إشارات باتجاهه حين هاجم بعنف المملكة العربية السعودية ودول الإمارات العربية المتحدة من بوابة الحصار الأميركي على إيران وبدء مرحلة «خنْقها» اقتصادياً عبر قرار «تصفير» صادراتها النفطية.
وعلى وقع هذه التقاطعات بين الوضعين اللبناني والاقليمي، تتجه الأنظار إلى ما سيكون عليه موقف لبناني الرسمي في القمة الإسلامية التي تستضيفها السعودية في 31 الجاري و1 يونيو، والتي أعلن الرئيس ميشال عون أنه تلقى دعوة اليها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
وسيترأس رئيس الحكومة سعد الحريري الوفد اللبناني إلى هذه القمة التي ستُلاقي القمة الخليجية في مداولاتها حول التطورات المتسارعة بعد الاتهامات لطهران بالوقوف وراء الهجمات بطائرات مسيّرة على محطتين لضخّ النفط في المملكة (أعلنت حركة الحوثي مسؤوليتها عنها) وذلك بعد يومين من تعرض أربع سفن بينها ناقلتا نفط سعوديتان للتخريب قبالة ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكان الحريري أطلق إشارة بالغة الدلالات خلال إفطار أقامه غروب الأحد وعكست استشعاره مخاطر أي جرّ للبنان ووضْعه بوجه الدول الخليجية والعربية خدمةً لأجندة إيران، إذ انتقد التهجم على السعودية والإمارات، وقال غامزاً من قناة «حزب الله»: «الاهانة تجرّ إهانة والتهجم يجر تهجماً، واذا كان مطلوباً من أحد أن يقدّم فواتير لدولة خارجية (في إشارة ضمنية إلى إيران) فليقدمها من حساب هذه الدول وليس من حساب اللبنانيين».
ولفت إلى «أن التوافق على مبدأ النأي بالنفس وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية كان هدفه حماية لبنان من صراعات المنطقة، والاصرار على خرق هذا المبدأ دعوة مباشرة لضرب مصالح لبنان واللبنانيين بالدول العربية، وخصوصاً في ظلّ أجواء التوتر السائدة في المنطقة والاعتداءات التي تستهدف الامارات والسعودية».
ومن خلف «خطوط التوتر العالي» في المنطقة، تشقّ مهمة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد طريقها الوعرة بخطوات ثابتة نحو مفاوضات لبنانية اسرائيلية برعاية من الأمم المتحدة ومتابعة أميركية حول ترسيم الحدود البحرية والبرية وتعطيل «ألغام» الصراع على المنطقة النفطية المتنازع عليها بي البلدين.
وساد ترقُّب كبير أمس لما حَمَلَه ساترفيلد معه من اسرائيل رداً على المقترحات اللبنانية حول آلية التفاوض وترسيم الحدود، على قاعدة اللجنة الثلاثية (لبنان، الأمم المتحدة، اسرائيل) وبمساعدة واشنطن وهو ما سبق لتل أبيب ان اعترضت عليه وتحديداً لجهة الرعاية الأممية للمفاوضات. علماً ان الديبلوماسي الأميركي كان انتقل الى اسرائيل من لبنان الذي عاد إليه في سياق ما يشبه الديبلوماسية المكوكية بين بيروت وتل ابيب، في مسارٍ يبدو «حمّال أوجه» في أبعاده التبريدية وربما الانفراجية التي تأتي «عكْس سير» المناخات اللاهبة في المنطقة، وسط انطباعٍ يشي بأن هذا الأمر يخفي وراءه «رسائل تحت الطاولة» سواء لتفادي تحريك الجبهة المسترْخية على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية أو ربما الانتقال إلى «ربْط نزاع» احتوائي أو أكثر.
الراي