لأنّ المَخاطر ترْتفع من أن يفضي «اللعب بالنار» فوق «برميل البارود» السوري الذي تتشابك «فتائله» امتداداً من إسرائيل مروراً بلبنان وصولاً لإيران، إلى «اشتعال» المواجهة الكبيرة التي لا يغيب عن «لائحة» لاعبيها الرئيسيين الأميركيون ولا الروس، بدا لبنان متهيّباً «طبول الحرب» التي قُرعتْ مع «المنازلة الجوية» التي وقعت السبت الماضي بين تل أبيب وطهران – دمشق.
ولم تكن «القمة الثلاثية» التي عُقدت أمس في القصر الجمهوري وضمّت الرئيس اللبناني العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري سوى انعكاس لاستشعار بيروت حساسية اللحظة الإقليمية ومحاذير «جذْب» الواقع اللبناني إلى «فوهة البركان» ولا سيما بعدما بات واضحاً أن المواجهة الجوية جاءت محمَّلة بخلفياتٍ معقّدة، تبدأ برسْم الدولة العبرية «خطوطاً حمر» بالنار حيال ما تعتبره تطورات «كاسِرة للتوازن» في الصراع معها يشكّل «حزب الله» محوراً رئيسياً فيها مقابل سعي طهران وحلفائها لتغيير «قواعد اللعبة» تدعيماً لـ «توازن الردع» من قلْب النظام الاقليمي الجديد الذي تعتبر أنه صبّ لمصلحة محورها، ولا تنتهي برغبة اسرائيل في إحداث «ربْط نزاع» متعدّد الجبهة منعاً لأن يكرّس مسار استيلاد حلّ سياسي للأزمة السورية حضور إيران و«حزب الله» في «الخاصِرة» الجنوبية لسورية.
وعلى وقع «الاشتباك» الديبلوماسي بين تل أبيب وطهران الذي أخذ مداه يوم أمس تحت عنوان اسرائيلي «لن نقبل التموضع الإيراني في سورية» وإيراني بأن «حضورنا في سورية سيستمرّ للدفاع عن جبهة المقاومة» في موازاة ملاقاة واشنطن حليفتها اسرائيل بتأكيد «ان إيران تقف خلف كل مشاكل الشرق الأوسط»، بدا لبنان كمَن يبحث عن منْفَذ يحول دون انتقال «الحريق» الاقليمي إلى «قلب البيت»، وسط تَحسُّس أوساط سياسية بأن المرحلة الراهنة هي من الأدقّ التي تمرّ بها البلاد التي باتت «تتطاير» من فوق رأسها، كما عبر سمائها، الرسائل المتفجّرة التي صارت سورية «صندقة البريد» فيها، تماماً كما كان لبنان لسنوات طوال.
وفي رأي هذه الأوساط ان «التأهّب» السياسي – الديبلوماسي في بيروت مردّه الى أن إسرائيل أعادت «شبْك» خطوطِ نزاعٍ مع لبنان في ملفيْ الحدود البرية والبحرية عبر الجدار العازل على الحدود الجنوبية كما زعْمها أن «البلوك 9» في المياه الاقليمية اللبنانية هو ملكية لها وتهديدها ائتلاف الشركات الفرنسية – الروسية – الايطالية من مباشرة العمل فيه للتنقيب عن النفط والغاز، في حين حملتْ وساطة نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد في هذا المجال أبعاداً شاملة تجاوزتْ هاتين القضيتيْن الى مسألة «حزب الله» ووضعيّته وأدواره خارج لبنان، مثيراً مسألة نقل الحزب السلاح الثقيل من سورية إلى لبنان وتطويره السلاح الصاروخي عبر مصانع ذكرت تقارير صحافية (الحياة) ان الديبلوماسي الأميركي أشار الى انها تقام في مناطق بقاعية وفي طبقات سفلى من أبنية تقام فوقها مؤسسات تجارية وصناعية.
وتعتبر الأوساط نفسها أن هذا السقف الذي يتكئ على قرار لا رجوع عنه من واشنطن بالحدّ من النفوذ الايراني الذي يشكّل «حزب الله» الذراع الرئيسية فيه، سيكون منطلق محادثات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في بيروت بعد غد الخميس حيث سيطرح أيضاً ملف العقوبات على «حزب الله» كما سيستمع إلى موقف لبنان الرسمي من اقتراح ساترفيلد في ما خصّ النزاع البحري مع إسرائيل والذي كُشف انه يقوم على العودة الى ما يسمى «خط هوف» نسبةً الى الموفد الأميركي السابق فريديريك هوف الذي كان طرح تحديد خطّ ينال لبنان عبره 60 في المئة من المنطقة البحرية المتنازع عليها (مساحتها نحو 860 كيلومتراً مربعاً ويتداخل البلوك 9 مع جزء منها).
واستباقاً لزيارة تيلرسون، حدّدت «القمة الثلاثية» في القصر الجمهوري «خريطة طريق» التعاطي مع التهديدات والتعديات الاسرائيلية وكيفية مقاربة المقترحات الأميركية على قاعدة عدم تنازل لبنان عن سيادته على أي متر من أرضه أو شبر من مياهه.
وحسب المعلومات الرسمية عن اجتماع عون وبري والحريري، فقد جرت متابعة البحث الذي جرى في اجتماع اللجنة الثلاثية العسكرية (من الامم المتحدة والجيش الاسرائيلي والجيش اللبناني) في مقر «اليونيفيل» في الناقورة والذي تناول الموقف الاسرائيلي من الاعتراض اللبناني على إقامة الجدار الاسمنتي قبل إزالة التحفظ اللبناني عن النقاط الـ13 على «الخط الأزرق» وتأكيد الحدود الدولية للبنان، كما تناول الموقف اللبناني من الاقتراحات التي قدمها ساترفيلد والتحضيرات لزيارة تيلرسون، ناهيك عن «الموقف اللبناني الموحّد حيال التهديدات الاسرائيلية والاقتراحات المقدّمة إلى لبنان».
وفيما أعقب لقاء «الترويكا» الرئاسية، وهو الثاني الذي يحصل في أقل من أسبوع، زيارة بارزة قام بها الحريري لبري وأنهتْ «جفاء ثنائياً» استمر أسابيع على خلفية «أزمة المرسوم» بين عون ورئيس البرلمان، نُشر حديث لرئيس الجمهورية أدلى به الى محطة «ON live» المصرية، وأكد فيه «ان لبنان اتخذ قراراً بالدفاع عن أرضه في حال حصول اعتداء اسرائيلي عليها او على حقوقه في النفط»، مضيفاً: «لغاية الآن لم يحصل اعتداء، إنما هناك تصريحات فقط، وهناك قوى تتدخل ديبلوماسياً وسياسياً للمساعدة على فض هذا الخلاف».
وشدد على أن «الاستفزاز الاسرائيلي الكلامي لا يهمنا، ولكن إذا دخل حيز التنفيذ ستكون هناك حروب جديدة»، مستبعداً في الوقت نفسه أن تقدم اسرائيل على تنفيذ تهديداتها.
وفي موازاة ذلك، شهد مسار التحضيرات لمؤتمرات الدعم الدولية للبنان انفراجاً على جبهة «مؤتمر روما» لمساعدة الجيش اللبناني إذ تحدّد موعده الرسمي في 15 مارس المقبل، وذلك بعدما كانت سرت أجواء سلبية أوحت بإمكان عدم انعقاده لعدم حماسة دول خليجية للمشاركة فيه ربْطاً بالموقف من «حزب الله».
ورغم أن موعد منتصف مارس يشكّل تأخيراً عن التاريخ المفترض لمؤتمر روما الذي كان متوقّعاً نهاية فبراير، لم يُعرف إذا كانت المناخات حول عدم الحماسة من بعض دول الخليج تبدّدت، علماً أن حضوراً خليجياً (بينهم سفير الكويت) سُجل أمس في الاجتماع التحضيري للمؤتمر الذي التأم في السرايا الحكومية برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي عزا غياب السفير السعودي وليد اليعقوب إلى وجوده في الرياض منذ أيام، نافياً أن تكون أي دولة عربية رفضت المشاركة.
(الراي)