يعود مجلس الوزراء اللبناني اليوم إلى الاجتماع بعد «استراحة» أسبوعيْن شهدا تطوراتٍ متسارعة في «ملاعب النار» في المنطقة، لا سيما سورية والعراق، لاقتْها داخلياً مواقف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله وهجومه المتجدد على دول الخليج، لا سيما السعودية، مع تلويحٍ غير مسبوقٍ باستقدامِ مئات الآلاف من المقاتلين من الميليشيات الشيعية التي تحارب تحت راية «محور المقاومة» الى لبنان بحال أيّ عدوانٍ اسرائيلي، وصولاً إلى وضْع ملف النازحين السوريين تحت المجهر بعد العملية الأمنية للجيش اللبناني في عرسال والإعلان عن مخطط كان سينفّذه إرهابيون تحتضنهم مخيماتٌ في البلدة الحدودية مع سورية.
ورغم أن اندفاعة نصر الله ثم تعويم «حزب الله» وحلفائه مطلب تنسيق الحكومة اللبنانية مع النظام السوري لإعادة النازحين السوريين (نحو 1.5 مليون) من ضمن «الدفاعات الوقائية من الإرهاب»، «نفضا الغبار» عن العناوين السياسية الانقسامية التي كانت «وُضعت على الرفّ» منذ تسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، فإن أوساطاً مطّلعة في بيروت تستبعد أن «يغامر» أيّ فريق داخلي بهزّ مرتكزات هذه التسوية، لأن البديل عنها هو ضربٌ للاستقرار لن يغيّر حرفاً بالتوازنات الداخلية أو يترك أثَراً بمجريات «التطاحن» بين اللاعبين الاقليميين والدوليين في المنطقة.
وحسب هذه الأوساط، فإن «حزب الله» مرتاحٌ لإمساكه بالمفاصل الاستراتيجية للواقع اللبناني و«الإمرة» فيه، في ظل اعتباره أن «اللعب» في الداخل يتم ضمن «الهوامش» التي تركها، فيما اختار خصومه «الانحناء أمام العواصف» و«تثبيت المواقع» تحت سقف التوازن الحالي الذي يوفّر لهم تكافؤاً في «لعبة السلطة» بانتظار انقشاع الرؤية اقليمياً ليُبنى على الشيء مقتضاه لبنانياً، لافتة إلى أن هذه «الثابتة» لدى الطرفيْن ناهيك عن المخاوف الكامنة من أي مفاجآتٍ إسرائيلية، تضع الجميع أمام حدودٍ معروفة للهوامشِ المتاحة التي ستتوسّع في إطارٍ «مُدوْزن» كلّما اقتربتْ البلاد من الانتخابات النيابية (في مايو 2018) التي تحتاج إلى «وقود» متنوّع لاستنهاض الناخبين.
وإذا كانت المواقف البارزة لنصر الله اعتُبرت رسالة لاسرائيل وخصوم إيران بأن «طريقها الآمن» مع ميليشياتها الى لبنان «محميّ» وأن «بلاد الأرز» تَكرّستْ واحدة من حلقات «محور المقاومة» وخطوط الدفاع والهجوم فيه، فإن «لغم» النازحين الذي دفع به «حزب الله» أيضاً سرعان ما وُضع بأحد جوانبه ضمن مساعي «قفل ملف جرود عرسال» ومخيّماتها ربطاً بالأهمية المفصلية لهذه البقعة الجغرافية في حسْم «انضمام» الحدود اللبنانية – السورية الى «منطقة أمان» النظام وحلفائه.
ومن هنا ترى الأوساط نفسها أن جلسة مجلس الوزراء اليوم ستشهد نقاشات مضبوطة، ومن دون أي خلفية اتخاذ قرارات حول ملف النازحين (تعرّض مخيم ثان لهم أمس في البقاع الى حريق أدّى لمقتل طفلة واصابة 21 آخرين بينهم 7 بحال حرجة) ومواقف نصر الله، الى جانب بحث الواقع الأمني بعد مداهمات عرسال، معتبرةً أن مواقف فريق رئيس الحكومة وحليفته «القوات اللبنانية» (والنائب وليد جنبلاط) تجعل أي قرارٍ بتنسيق الحكومة مع النظام السوري مستحيلاً، علماً أن «المستقبل» يؤكد تأييده العودة الآمنة برعاية الأمم المتحدة، رافضاً أي «تنسيق مع الجلاد لإعادة ضحاياه إلى تحت سوطه»، فيما أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ان طرح «حزب الله» هو على طريقة «السم بالدسم» وملغوم «وهدفه تعويم النظام السوري عبر البوابة اللبنانية»، و«القوات»بصدد التحضير لمشروع والتقدم به الى الحكومة يتضمّن الطلب بعودة النازحين الى بلادهم.
وفيما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق (من فريق الحريري) ان «ما حصل في عرسال عملية عسكرية استهدفت الإرهابيين وليست حملة على النازحين»، لافتاً الى «اننا لن نعيد أي سوري إلا وفق ضمانات دولية، والأمم المتحدة هي مَن تحدد المنطقة الآمنة التي يمكنهم العودة إليها»، كان بارزاً بموازاة تأييد «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) التواصل مع النظام السوري بملف النازحين مع مرونة حيال «الوسيط» الذي يتولى هذه المهمة، موقفٌ صدر أمس عن عون خلال استقباله موفداً رئاسياً كازاخياً إذ تمنى «نجاح المفاوضات الجارية في أستانة بإعادة الاستقرار والأمان الى سورية ووضع حدّ لمعاناة النازحين الذين يتأثر لبنان سلباً بوجودهم».
(الراي)