تَقاسَم المشهد اللبناني أمس عنوانان بارزان، الأوّل داخلي وهو مساعي إيصال المفاوضات حول قانون الانتخاب الجديد الى «برّ الأمان» قبل انتهاء ولاية البرلمان في 20 الجاري، والثاني خارجي ويتمثّل في انفجار الخلاف بين السعودية والإمارات ومعهما دول خليجية وعربية أخرى وبين قطر في تطوّرٍ أحدث «دوياً» عالمياً.
وفيما كانت كواليس مفاوضات استيلاد قانون الانتخاب تشهد «تَدافُعاً خشناً» متجدّداً في سياق محاولات انتزاعِ مكاسبَ من «فمِ» هاوية الفراغ «الممنوع السقوط» فيها، فإن الغرف المغلقة الموازية بدت متهيّبة أيّ «هزات ارتدادية» لـ «الزلزال» بالعلاقات بين السعودية والإمارات خصوصاً وبين قطر على الواقع اللبناني الذي يقع على أحد «الفوالق» الرئيسية التي فجّرت هذه الأزمة والمتمثّل بالموقف من إيران، وذلك نتيجة وضعية «حزب الله» كـ «الذراع» الأبرز لطهران في مشاريعها التوسعية.
وإذا كان مسار قانون الانتخاب محكوماً باطمئنانٍ الى أن ولادته حتمية بحلول منتصف الشهر الجاري لأن البديل ايقاظ «كوابيس» دستورية وربما أمنية لا قدرة لأحد على تحمُّل تبعاتها، فإن «حبْس أنفاس» ساد بيروت حيال مصير الأزمة غير المسبوقة داخل البيت الخليجي، وسط رهانٍ على أن تنجح الكويت وسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في احتواء هذه «العاصفة» ما يقطع الطريق على أي «تشظياتٍ» لها على صعيد لبنان الذي قرأ بتمعّن وقلق السلوك الحازم الخليجي حيال الدوحة، والذي يَخشى ان يجد نفسه في «عين العاصفة» بحال تشعّبتْ الأزمة وتَفاقمتْ.
وأشارتْ دوائر سياسية مطلعة في هذا السياق عبر «الراي»، الى أن لبنان سيبقى «في أمان» ما دام «حزب الله» لا يقحم نفسه في ملف قطر، وما دامت هذه القضية لم تنتقل بعد الى الجامعة العربية إذ سيتعيّن عليه في مثل هذه الحال أن «يختار»، مذكّرة بأن بيروت لم «تُشْفَ» بعد من تداعيات تبرّؤ وزير الخارجية جبران باسيل من «إعلان الرياض» الأخير، وهو الموقف الذي غطّاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأثنى عليه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وقوبل باستياءٍ سعودي عبّر عن نفسه عبر حظْر الموقع الالكتروني لـ «التيار الوطني الحر» (حزب عون ويترأسه باسيل) وصدور مقالاتٍ قاسية عبر صحف سعودية تنتقد بعنف عون وصهره.
وعلى وقع تفاعلات هذه القضية، تستبعد أوساط متابِعة للاتصالات حول قانون الانتخاب ان ينزلق الأطراف اللبنانيون الى «فخّ» إجهاض الإيجابيات التي تراكمتْ بملف قانون الانتخاب بعد التوافق على عناصره الأساسية (النسبية الكاملة في 15 دائرة) وفتْح البلاد تالياً على أزمةٍ سيكون «الداخل فيها مفقوداً».
ونبّهت الأوساط عبر «الراي» الى ان «الإطاحة» بـ «العصفور الذي في اليد» لمصلحة «العشرة على الشجرة»، أي المَلاحق أو «الإعلان السياسي» الذي سيرافق ولادة القانون ويتضمّن نقاطاً ذات صلة بالنظام وتوازناته، يمكن أن يجعل البلاد بمثابة «القطار» الذي عُطّلتْ «مكابحه»، مستبعدةً أن تغامر القوى السياسية بما تَحقق، ومتوقّعة أن تستمرّ لعبة «حافة الهاوية» حتى ربع الساعة الأخير، فتبرد «الرؤوس الحامية» حينها وتنتظم خلف التوافق الكبير الذي حصل على إبقاء لبنان في «منطقة الأمان».
وفيما لفتت الأوساط نفسها الى عودة الهواجس الأمنية من خلال ما كُشف عن إحباط هجوم انتحاري كان يُعِدُّه «داعش» بأحد المطاعم في الضاحية الجنوبية خلال وقت الإفطار، أشارت إلى ان كلام رئيس البرلمان نبيه بري امس الذي توجّه فيه ضمناً الى «التيار الحر» قائلاً «رفضتم السلّة قبل بدء القطاف فلماذا تطالبون بها الآن وقد انتهى وقت القطاف؟» حمل رسالةً برفْض محاولات فريق عون خصوصاً ضمّ مَلاحق الى قانون الانتخاب تتناول بشكل رئيسي اللامركزية الادارية والاتفاق على مجلس الشيوخ مع تعديلٍ دستوري يثبّت المناصفة أيضاً داخل البرلمان في الدستور ويعدّل المواد المتعلّقة بإلغاء الطائفية السياسية.
وإذ كان بري واضحاً بقوله «ان ايجاد مواقف وتعديلات لا علاقة لها بالقانون (مش رح تمشي) ولا أحد يعتقد انه سيكون هناك تنازل أكثر مما قدّمناه اذ سبق ووافَقنا على قانون هم أعدّوه»، تترقّب الأوساط السياسية ما ستحمله الساعات المقبلة على صعيد الاتصالات المتواصلة وإذا كانت ستنجح بفصل مسار القانون عن العناوين الإصلاحية الملحقة به، والتركيز على حلّ بعض الجوانب التقنية التي ما زالت عالقة تمهيداً لعقد جلسة استثنائية للحكومة لإقرار مشروع القانون قبل موعد الجلسة التشريعية الاثنين المقبل.
(الراي)