مع بدء العدّ التنازُلي للانتخابات النيابية، تبدو المرحلة الفاصلة عن 6 مايو المقبل في سباقٍ مع تطورات كبرى تقف على مشارفها المنطقة وأزماتها المتفجّرة ولا سيما في سورية، والتي يجد لبنان نفسه موصولاً بـ «صواعقها» هو الذي يرتبط وعلى طريقة «الأوعية المتصلة» بـ «قوس النار» الإقليمي من خلال «حزب الله» الذي يشكّل الذراع الرئيسية لتَمدُّد إيران في أكثر من ساحة والذي يُعتبر «المطلوب رقم واحد» على لائحة «قطْع الأذرع» التي تستجمع كل من واشنطن وتل أبيب عناصرها بوجه طهران.
وعلى أهمّية استحقاق الانتخابات النيابية الذي يَسْلك طريقه نحو صناديق الاقتراع، فإنّ المؤشرات حول «صندوق باندورا» السوري تشي بأن «الكوابيس» التي «استفاقتْ» ما زالتْ في بداياتها، وأن مرحلة ما بعد «داعش» تُعتبر الأكثر خطورة إذ يَرتفع فيها منسوب الصِدام بين اللاعبين الاقليميين والدوليين، وسط تَشابُك مُرْعِب في المخاوف كما الأطماع الاستراتيجية والتي يقف لبنان على «صفيحها الساخن» وسط ارتسام معادلةٍ كبرى للصراع عنوانها الأميركي المدعوم من اسرائيل «لا لوجود إيراني في سورية»، مقابل عنوان روسي تؤيّده إيران وهو «لا لبقاء أميركا في سورية».
وانطلاقاً من هذا المَشهد الذي عزّزت مرتكزاته تطورات الأيام الماضية وما حملتْه من مواجهة إيرانية – اسرائيلية في سورية واشتباك أميركي – روسي على حدّ بقعة النفوذ الأميركية شرق الفرات، فإن لبنان يبدو وكأنّه وسط «زنار نار» فيما تضع غالبية القوى المتصارعة في المنطقة «الأصابع على الزناد» لفرض وقائع جديدة أو تكريس مناطق «مقتطعة» أو إنهاء تهديداتٍ «وجودية» كما تصف تل أبيب أي تثبيت لوجود إيراني يمتدّ من جنوب سورية الى جنوب لبنان وأي تسليم بتطوير «حزب الله» ترسانة صواريخه وحصوله على أسلحة كاسِرة للتوازن.
ولم يكن ممكناً قراءة ثاني موقف للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس خلال أيام يعرب فيه عن قلقه من احتمال حصول مواجهة مباشرة بين إسرائيل و«حزب الله»، إلا في سياق التعبير عن مستوى الخطر الذي يحوط بلبنان ربطاً بالعصْف في محيطه، ولا سيما في ظل «الفتيل» الذي يشكّله خروج النزاع البحري (كما البري) بينه وبين تل أبيب إلى الواجهة في ظل وساطةٍ تضطلع بها واشنطن على خط البلدين عبر الديبلوماسي الأميركي ديفيد ساترفيلد الذي سيلتقي اليوم مسؤولين لبنانيين ناقلاً جواب الدولة العبرية على رفض بيروت التنازل عن أي حصة من منطقة الـ 860 كيلومتراً المتنازَع عليها، من دون أن تنقشع الرؤية بعد حيال كيفية احتواء هذا الملف الذي فرضه توقيع بيروت عقود الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و 9 (والأخير يقع جزء منه في منطقة النزاع).
وكان بارزاً أن غوتيريس كرّر شعوره «بقلق عميق من التصعيد الذي يصعب التنبؤ به في المنطقة بأكملها»، مشيراً إلى مخاوف إسرائيل من اقتراب فصائل مسلحة مختلفة في سورية من حدودها، ومضيفاً: «أسوأ كابوس قد يتحقق هو إذا حدثت مواجهة مباشرة بين إسرائيل وحزب الله… سيكون حجم الدمار في لبنان شديداً بالتأكيد، لذا فإن هناك نقاط قلق كبيرة تحيط بالموقف».
وغداة تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة، برز إعلان رئيس عمليات الجيش الإسرائيلي الجنرال نيتسان ألون أنّ «احتمالات اندلاع الحرب على الحدود الشمالية في العام 2018 هي أكبر من أي وقت، وربما تكون على الأبواب»، مشيراً إلى أنّ «الانتصارات» الّتي يحقّقها الرئيس السوري بشار الأسد بدعم من إيران و«حزب الله» زادت من فرص شنّ حرب جديدة في مرتفعات الجولان، ولافتاً الى أنّ «إسرائيل ضبطت مبان متطوّرة عدّة لتطوير الأسلحة الصاروخية الدقيقة لـ(حزب الله) في لبنان».
وإذا كان هذا المناخ المحتدم يشي بأن لبنان يسير، بالطريق الى الانتخابات النيابية، في «حقل ألغامٍ»، فإن ما نُقل أمس عن مصدر في الحكومة اللبنانية لجهة تحديد 6 ابريل المقبل موعداً لمؤتمر «سيدر 1» في باريس لدعم الاقتصاد اللبناني أعطى إشارةَ طمْأنةٍ الى الداخل لاستمرار «المظلة الدولية» لاستقرار البلاد كأحد مرتكزات «حماية» الاستثمارات المفترضة، من دون أن يُسقِط ذلك الخشية من سوء تقدير كبير أو قرار كبير يمكن أن يفجّر «برميل البارود».
وذكرت تقارير أمس (وكالة الأنباء المركزية) أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري سيقوم قريباً بجولة خليجية تحضيراً لمؤتمرات الدعم الدولية للبنان، بدءاً من روما (منتصف مارس) مروراً بباريس فبروكسيل (حول النازحين).
(الراي)