جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / لبنان في قلب “الحرب الباردة”… فهل تصْمد التسوية؟
الحكومة

لبنان في قلب “الحرب الباردة”… فهل تصْمد التسوية؟

كرّس «المرور الآمِن» لجلسة مجلس الوزراء اللبناني يوم أمس واقعَ «الحربِ الباردة» الذي يحكم البلاد على وهج اختلالِ موازين القوى لمصلحة «حزب الله» وحلفائه ربْطاً بمسار الأزمة السورية خصوصاً، وسط اختيار خصومِه في الداخل سياسةَ «الصمودِ» عند التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي قبل نحو 11 شهراً رغم اندفاعة الحزب نحو خياراتٍ عسكرية (معركة الجرود) ومساراتٍ سياسية (التطبيع مع النظام السوري) من النوع «الكاسِر للتوازن» في سياق رغبته بحسْم إلحاق لبنان، بالمعنى الاستراتيجي، بـ «محور المقاومة».

ولم يَخرج مسار جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها رئيس الحكومة سعد الحريري عن التوقّعات بألا يُفضي الصخب السياسي الذي ساد البلاد في الأيام الأخيرة إلى أيّ «هبّات ساخنة» وشيكة من النوع الذي يهدّد الحكومة التي كانت وجدتْ نفسها مطوَّقةً بـ «حقل ألغام» ذات صلة بتداعيات معركة الجرود والصفقة التي أبرمها «حزب الله» مع تنظيم «داعش» وانكشاف المصير الأسْود للعسكريين الذين كانوا أسْرى لديه (منذ 2014 وعددهم 8 بعدما التحق تاسِع لاحقاً بالتنظيم الإرهابي) وإطلاق تحقيق «ارتدّ» إلى فترة خطْفهم إبان أحداث عرسال في محاولة لتحديد المسؤوليات عن الخطف وعن عدم استعادتهم بالقوّة، وصولاً إلى «تغريدة» وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان حول «حزب الشيطان وجرائمه» ودعوته اللبنانيين الى «الاختيار معه (حزب الله) أو ضدّه»، وهي التغريدة التي فاجأتْ حلفاء المملكة كما خصومها في لبنان طارحةً علامات استفهام حول ترجماتها الممكنة على صعيد التسوية التي كان السبهان شخصياً، المكلف الملف اللبناني، شكّل العنوان السعودي لمباركتها في أكتوبر 2016.

وإذا كان المناخ الهادئ الذي طَبَع جلسة مجلس الوزراء وساعدتْ عليه الكلمة الاحتوائية للحريري، عكس الرغبة في عدم نقْل الواقع اللبناني الى دائرة المواجهة غير المحسوبة مع «حزب الله»، فإنّ جانباً آخر من موجبات «إبقاء الجمر تحت الرماد» بدا متّصلاً بإرادةٍ جامِعة بتمريرِ استحقاق تشييع عسكريي الجيش اللبناني اليوم (العسكريون الثمانية اضافة الى عباس مدلج الذي كان ذبحه «داعش» بعد نحو شهر من أسْره مع رفاقه، وجندي فُقد في 28 اغسطس 2014 بمكمن لدوريته) في مقرّ وزارة الدفاع في اليرزة بحضورٍ رئاسي وسياسي على أعلى مستوى، ووسط حداد وطني وتنكيس أعلام وإقفال في المؤسسات العامة والقطاع المصرفي والمدارس وبعض القطاع الخاص.

وشكّلت دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في أعقاب مراسم تشييع العسكريين، إشارةً متقدّمة الى رغبة لبنان الرسمي في امتصاص الواقع السلبي دولياً الذي خلّفتْه معركة الجرود وتحديداً ملابسات صفقة «حزب الله» مع «داعش» التي وفّرتْ انتقال إرهابييه قتَلة العسكريين من الحدود السورية – اللبنانية الى الحدود السورية – العراقية وإعلان الحريري انه هو وعون سمحا بانتقال مسلّحي «داعش» من المقلب اللبناني الى المقلب السوري، بعدما فرَض هجوم الجيش اللبناني على التنظيم الإرهابي إبداءه الاستعداد لكشف مصير العسكريين «ولكن نقلهم بالحافلات الى شرق سورية كان بقرار من (حزب الله) والسوريين».

وسيحاول لبنان «الحدّ من أضرار» السيناريو الختامي لمعركة الجرود عبر معاودة تظهير الانتصار الذي حققه الجيش اللبناني في الأيام القليلة التي كبّد فيها «داعش» خسائر كبيرة وحصَرها في جيْب صغير، وأيضاً وضْع المعركة مجدداً تحت سقف التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، وخصوصاً أن الحريري كان نجح إبّان زيارته لباريس قبل أسبوع في وضْع البلاد مجدداً على خريطة الاهتمام الدولي، عبر تأكيد إطلاق 3 مؤتمرات بالغة الأهمية أحدها لدعم الجيش.

وتناول الحريري في بداية جلسة مجلس الوزراء، التي استُهلت بالوقوف دقيقة صمت على أرواح العسكريين، مجمل هذه العناوين معتبراً ان «يوم الحزن الوطني على الشهداء… يجب ان يكون مناسبة وحدة وطنية وان لا تتحول الى انقسام سياسي، وأدعو الجميع الى الترفع الى مستوى شهادة ابطالنا العسكريين والابتعاد عن المزايدات السياسية الصغيرة، لان المسؤول عن هذه الجريمة هو تنظيم (داعش) الارهابي».

وإذ تطرّق الى ما حققتْه زيارته الأخيرة لفرنسا ولا سيما إطلاق «ثلاثة مؤتمرات لمصلحة لبنان»، لفت في ردّ ضمني على تجديد «حزب الله» قبل أيام الحملة الشعواء على المملكة العربية السعودية «ان هذه إنجازات لمصلحة كل لبنان ولا يمكن أن تكتمل من دون دعم الاشقاء العرب وخصوصاً السعودية»، وأضاف: «منذ البداية انتهجنا سياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة. وفي هذه اللحظة من مصلحة لبنان الابتعاد عن توتير الأجواء مع كل الاصدقاء وخصوصاً الاشقاء، والبحث عن حماية مصلحة لبنان». وشدّد على «ان لبنان ليس جزءاً من اي محور، بل هو جزء فاعل من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ويقوم بدوره ويتحمل مسؤولياته بحماية شعبه وحدوده وسيادته من خلال قواه الأمنية الذاتية».

وبالرغم من «المياه الباردة» التي تم سكْبها على الوقائع الساخنة التي حملتْها الأيام الماضية، فإنّ أوساطاً سياسية تعتبر أن لبنان بات في ما يشبه وضعية «كل يوم بيومه»، وسط خشيةٍ من مسألتيْن: الأولى تفاعلات منحى «المحاسبة» بملف العسكريين الذي أفضى الى بُعد انقسامي في ظل اشتمامِ خصوم «حزب الله» رائحة «ثأر سياسي» تطاول رموزاً محدّدة. والثانية مضي «حزب الله» باندفاعته نحو محاولة توظيف ما اعتبره «التحرير الثاني» في الجرود في سياق تكريس التحاق لبنان بـ «محور المقاومة» والدفع نحو التطبيع بين لبنان الرسمي والنظام السوري، وهو ما أعطت كتلته النيابية إشارة متجددة في اتجاهه امس بإعلانها ان «الانتصار المدوي في التحرير الثاني هو دون شك انتصار لقوة محور المقاومة في لبنان والمنطقة، وما قبله ليس كما بعده، لجهة تعزيز مناعة لبنان او لجهة إحباط المراهنين على المشاريع الاقليمية»، مشددة على انه «آن الاوان لتصويب العلاقات مع سورية ومعالجة الشوائب».
ليندا عازار – الراي