لبنان في «فَم» حربيْن، حربٌ إسرائيلية وحربٌ انتخابية، كأنهما في سباقٍ فوق مسرحٍ تختلطُ فيه صناديقُ الرصاص بصناديقِ الاقتراع، ووسط جمهورٍ يجتاحه طوفانُ مهرجاناتِ شدّ العصبِ بما تَيسّر من سلاحٍ أبيض وأسلحةٍ ثقيلة، وإطلالات للزعماء السياسيين، أشبه بالرصاصة الأخيرة قبل الذهاب إلى انتخاباتِ الأحد الكبير، ويجتاحه هلعُ الكلامِ عن «الإصبع على الزناد» في منطقةٍ تغلي فوق صفيحِ حربٍ على الأبواب يُرجَّح اندلاعُها في أيّ لحظة.
ويسود الاعتقاد في بيروت أن إسرائيل في حال حربٍ فعلية بعدما أعدّت لها المسرحَ السياسي والعسكري… أكثر من عشر هجمات على مواقع إيرانية منذ مطلع السنة، أكثرها إيلاماً كان على قواعد للحرس الثوري في «تي فور» وريفيْ حمص وحماة، تفويضٌ لبنيامين نتنياهو ووزير دفاعه باتخاذ قرار الحرب، الكشف عما اعتبرتْه تل ابيب وثائق إيرانية لبرنامجٍ نووي سرّي، وإظهار عناصر كافية في إطار محاولةٍ لاستدراج إيران إلى مواجهةٍ قد يكون «حزب الله» هدفها الرئيسي.
وتوحي المؤشرات بأن إسرائيل تدفع في اتجاه الحرب لاعتقادها أنها قادرةٌ على التقاطِ فرصةِ تشدُّد الرئيس دونالد ترامب حيال إيران واقتراب موعد كلامه الأخير عن الاتفاق النووي وإمكان اتكائها على الأساطيل الأميركية التي لم تغادر المنطقة، في أي مواجهةٍ، واطمئنانها إلى اقتراب الموقف الأوروبي خطوةً من المزاج الأميركي بإزاء طهران وبرنامجها البالستي والحاجة إلى «تعديل» الاتفاق النووي.
ولم ترَ الدوائرُ المراقبة في بيروت في إعلانِ التحالف الدولي إنهاء العمليات في العراق بعدما أَجْهَزَ على «داعش» والإلحاح على إنهاء الأزمة الخليجية على قاعدة الوحدة في مواجهة المشروع الإيراني، سوى دلائل على اقتراب لحظةِ المواجهة، رغم تردُّد إيران وارتباكها وسعي روسيا الى إقناع طهران بضرورة تجنّبها واكتفاء موسكو بتحريك «الهواتف الحمر» لسكبِ ما أمكن من مياهٍ باردة تفادياً لحرْق أصابعها في اشتعال حربٍ لا هوادةَ فيها بالمنطقة.
وعلى وقع «طبول الحرب» على الجبهة الاسرائيلية – الإيرانية، فإن القوى السياسية أطلقتْ «النفير العام» الانتخابي استباقاً لمنتصف ليل الجمعة – السبت موعد «التنكيس» الإلزامي للحملات الانتخابية وإطفاء محرّكات الكلام.
ومن هنا، فإن مختلف الأحزاب رفعتْ مستوى «التأهب الانتخابي» الى أقصى درجة خدمةً لـ «الهدف الذهبي» الرامي لرفْع نسبة الاقتراع الى ما فوق الـ 60 في المئة، الأمر الذي يشكّل «واقي صدمات» للوائح الأساسية ويحصّنها تجاه خروق مؤثّرة في التوازنات سترتّب نتائج سياسية بعد الانتخابات. وحفل يوم أمس بمهرجاناتٍ، في الملاعب الرياضية وقاعات المؤتمرات والساحات الكبرى وعلى الجرود الحدودية، التي تحوّلت أشبه بـ «صندوق فرجة» يختزن كل «موروثات» الصراع السياسي الذي يحكم البلاد منذ 2005، وإن تلاشتْ تعبيراته الاصطفافية، كما «الحروب الصغيرة» بين أطراف «البيت الواحد»، اضافة الى معارك ما بعد 6 مايو.
ويبدو زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة سعد الحريري الأكثر اندفاعاً على «الأرض الانتخابية» في سياق رغبته بالخروج من استحقاق 6 أيار بكتلة وازنة «تحمي» موقعه في رئاسة الحكومة وتحْفظ التوازن في المَشهد اللبناني ببُعده الاقليمي تحت سقف التسوية السياسية. وهو يواصل جولاتٍ ماراثونية غير مسبوقة في تاريخ عمله السياسي تنقّل فيها بين الجنوب والجبل والبقاع والشمال وصولاً إلى «مركز زعامته» بيروت، حيث كانت له أمس سلسلة محطات شعبية وضع خلالها الانتخابات في إطار «الدفاع عن هوية العاصمة ولبنان وتأكيد عروبته».
وفي السياق نفسه، يكثّف رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع إطلالاته (من بشري الى البترون فكسروان) الرامية لتحفيز قواعده بهدف ضمان العودة الى البرلمان بكتلةٍ مسيحية تتجاوز 10 نواب وتعبّر عن الحجم الحقيقي لحزبه بما يسمح له بدخول مرحلة ما بعد الانتخابات واستحقاقاتها متسلّحاً بـ «ورقة التمثيل الشعبي»، وتالياً محاولة تحسين موقعه في غمرة ملامح الرغبة بـ «محاصرته» بفعل شبه انتهاء مفاعيل «شهر العسل» الذي سرعان ما تبدّد مع «التيار الوطني الحر» بعدما أدى دوره في إيصال العماد ميشال عون الى الرئاسة الأولى.
والأمر نفسه ينسحب على رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي يَمضي في «تحشيد» قواعده بخطابٍ «يستهدف» في شكل رئيسي وإن ضمناً كلاً من جعجع ورئيس البرلمان نبيه بري والزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، وهو أطلّ أمس من بلدة القاع البقاعية الحدودية مع سوريا (دائرة بعلبك – الهرمل) مكرراً الغمز من قناة بري بإعلانه «ان المقاومة هي أولاً للفساد ونحن على موعد مع سيّد الوعد (في اشارة الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله) لمقاومة الفساد بعد الانتخابات»، ومعلناً «إما الفساد وإما المقاومة فهما لا يتعايشان».
وجاء كلام باسيل بعد موقف جديد عالي السقف من بري بوجه رئيس «التيار الحر» أكّد فيه أمام زوّاره «أنّ الخطاب المسِمّ للحياة اللبنانية بكلّ تفاصيلها هو الجريمة الكبرى بحقّ البلد»، معتبراً أن «ما هو غير مفهوم خطاب الهدمِ الذي يأتيه بعض (براغيت السياسة)، واستمرار الوضع بلا كوابح سيوصل إلى كارثة».
أما «حزب الله» فأطلّ عبر السيد حسن نصرالله على دائرتيْ بعلبك – الهرمل وزحلة في احتفالين متزامنيْن عصر أمس، حدّد خلالهما الأمين العام لـ «حزب الله» الطبيعة الاستراتيجية للمعركة التي يخوضها الحزب وفق «بنك أهداف» يكشفه تباعاً وصار له عنوان مركزي «تحرير القرار السياسي والاقتصادي» عبر انتزاع كتلة وازنة مع حلفائه الخلص لا تقلّ عن «الثلث المعطّل» في برلمان 2018.
(الراي)