رسمتْ انطلاقةُ حكومة «الى العمل» معالمَ المرحلة المقبلة التي يُقْبِل عليها لبنان والتي يحكمها قرارٌ بوضْع البلاد على سكة النهوض وإخراجها من «دائرة الخطر» الاقتصادي – المالي «على حمّالةِ» مؤتمر «سيدر 1»، من خلف «حقل الألغام» السياسي ذات الصلة بتوترات المنطقة التي ترتبط بها بيروت عبر «فتائل» عدة بدا واضحاً أن ثمة منحى لمنْع تحويل أي منها صاعق تفجير للوضع الداخلي بل القفز فوقها وفق سياسة «إشاحة النظر» التي «تختبئ» تارةً وراء عنوان «النأي بالنفس» لمخاطبة المجتمعيْن العربي والدولي بلغةٍ لا تمتّ الى «أفعال حزب الله» ونشاطاته في أكثر من ساحة، وطوراً وراء زياراتٍ لوزراء الى سورية لا تحظى بغطاء من مجلس الوزراء ولا تتم بتكليف منه بمقدار ما «توسم» بأنها سياسية لا رسمية.
ووفق هذه «الهنْدسة» للمرحلة الجديدة في بيروت، تميّز أمس بتطوريْن:
* الأوّل ترؤس رئيس الحكومة سعد الحريري اجتماعا تشاورياً موسَّعاً شارك فيه ممثلون للصناديق العربية والأوروبية والدولية والمؤسسات المالية التي التزمت مساعدة لبنان في مؤتمر «سيدر»، والذي خُصص لبحث الخطوات المستقبلية ووضْع «خريطة طريق» تتناول المشاريع التي يرغب لبنان في أن تتجه إليها أموال الدول المانحة (قروض ميسرة ومساعدات بأكثر من 11 مليار دولار) لتنمية قطاعاتٍ تعتبرها بيروت الأكثر حاجة وقدرةً على تشكيل «قاطرة» اقتصادية.
وجاء انطلاق «قطار سيدر» عملياً بالتوازي مع «إقلاع» عمل الحكومة التي يرجّح ان تعقد أول اجتماع لها (بعد نيلها ثقة البرلمان) يوم الخميس وفي رأس أولوياتها إنجاز مشرع موازنة 2019 متضمّناً إشاراتٍ ملموسة الى الإصلاحات التي التزم لبنان بمباشرتها تمهيداً للاستفادة من مخصصاتِ «سيدر»، ليعكس حرْص بيروت على الاستفادة من «مظلّة الدعم» الدولي والعربي التي يوفّرها هذا المؤتمر والتي يُنتظر ان تَبْرُزَ رسائل إضافية تؤكد عليها مع الحركة الديبلوماسية المرتقبة في اتجاه بيروت والتي كانت انطلقتْ مع زيارة الموفد الملكي السعودي نزار العلولا والتي تزامنتْ تقريباً مع المحطة اللبنانية لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وظهّرتْ أن الرياض ليست في وارد ترْك «بلاد الأرز» للعبة التوازنات واختلالاتها الراهنة.
وفي هذا السياق، نقلتْ «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر ديبلوماسية ترجيحها ان يزور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بيروت في مارس المقبل (من ضمن الجولة التي ستحمله الى الكويت) «بما يشكّل رسالة الى مَن يعنيهم الامر، بأن الساحة اللبنانية غير متروكة، ولا يمكن أن تكون في الخندق الآخر (الإيراني)»، في حين تستعدّ بيروت لتستقبل في 25 و26 الجاري الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية فيديريكا موغيريني لتهنئة الحكومة وبحث سبل دعمها في مختلف المجالات وتفعيل آليات تنفيذ «سيدر» الذي لن يغيب عن اللقاءات التي سيعقدها الحريري على هامش ترؤسه وفد لبنان إلى مؤتمر القمة الأورومتوسطية في مصر في 24 الجاري.
* أما التطور الثاني الذي طبع يوم أمس، فكان زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لدمشق تلبية لما قال إنه دعوة تلقّاها من وزير الإدارة المحلية والبيئة السوري حسين مخلوف.
وفي حين أثارتْ هذه الزيارة علامات استفهام حول تداعياتها على العمل الحكومي في ظل الخلافاتِ حول التطبيع وحتى التمايزات حيال عودة النازحين «الآمنة» أو «الطوعية»، فإن أوساطاً سياسية رأتْ ان نقْل ملف النازحين من القنوات الأمنية (كان يتولاه تنسيقياً اللواء عباس ابراهيم) الى السياسية لن يترك ارتداداتٍ سلبية داخلياً، وسط انطباعٍ بأن زيارة الغريب «المغطاة» من الرئيس ميشال عون هي في سياقٍ متفاهَم عليه ضمناً بعدم تأمين أيّ غطاءٍ من مجلس الوزراء لمثْل هذه الزيارات «غير الرسمية» تفادياً لنقْل التباينات إلى طاولته، ومتوقّفة في الإطار نفسه عند غياب ردود فعلٍ وازنة على ما أبداه وزير الدفاع الياس بو صعب أمام مؤتمر ميونيخ للأمن من تحفُّظ على وجود منطقة آمنة بين سورية وتركيا واعتباره ان أي وجود عسكري تركي على الأراضي السورية من دون موافقة دمشق احتلالاً، وهو الموقف الذي اعتبره البعض في بيروت خرقاً لمبدأ النأي بالنفس.
(الراي)