لم يكن ممكناً لبيروت التي تستعدّ لـ «أسبوع آلامٍ» في ملف قانون الانتخاب، ان «تقفز» وهي تبحث عن «كاسحة ألغام» لتفكيك «صاعق» أزمة دستورية – سياسية تلوح في أفق الواقع اللبناني، عن الإشارات البالغة الخطورة التي حملها «أحد الشعانين» الدموي في مصر، وقبله «الكيماوي» في خان شيخون (إدلب) والـ «توماهوك» الاميركية على مطار الشعيرات (ريف حمص)، والتي عكستْ دخول المنطقة منعطفاً تتداخل فيه تعقيدات اكتمال نزول «الجبابرة» على الأرض في سورية مع «صراع الأولويات»، ولا سيما بالنسبة الى واشنطن، الذي «يتبادَل» الصدارة فيه كل من نظام الرئيس بشار الأسد وتنظيم «داعش».
ورأتْ أوساطٌ سياسية عبر «الراي» ان «الهَبّة الساخنة» في المنطقة وما واكبها من «طلائع» سلوكٍ جديد لإدارة الرئيس دونالد ترامب عبّرتْ عنه صواريخ «توماهوك» التي أعادتْ واشنطن الى «دفة القيادة» في مسار الأزمة السورية وطرحت علامات استفهام أبعد مدى ذات صلة بالموقف الاميركي المتشدّد من ايران وحلفائها، باتتْ جزءاً لا يتجزّأ من «سباق الأمتار» الأخيرة في بيروت بين تمديدٍ تقني للبرلمان يحصلُ بـ «غطاء» قانون جديد يصعب تحقيق التوافق عليه في مجلس الوزراء بين اليوم والاربعاء المقبل، او تمديد الضرورة الذي يتحضّر له مجلس النواب الخميس – ودونه «أفخاخ» عدة – باعتباره بمثابة «هبوطٍ اضطراري» يجنّب لبنان «مطبّ» الفراغ في البرلمان الذي تنتهي ولايته في 20 يونيو المقبل.
وفي حين ترى هذه الأوساط ان التحولات الخطيرة في المنطقة يفترض ان تحضّ القوى السياسية على المزيد من وعي مخاطر الانزلاق الى أزمة داخلية وتالياً التشجيع على تنازلات متبادلة في الطريق الى إقرار قانون الانتخاب قبل الخميس المقبل، إلا انها تعتبر ان الحسابات، على المدييْن القصير والبعيد، التي تتحكّم بهذا الملف تجعل من الصعوبة بمكان تَصوُّر امكان اجتراح مَخرج داخل مجلس الوزراء الذي يبدأ اليوم، جلسات يفترض ان تكون مفتوحة في محاولة لبلوغ إما التفاهم الكامل او أقلّه التوافق على «ألف باء» القانون ولا سيما لجهة طبيعة نظام الاقتراع بما يؤمّن مرتكزاً للتمديد… «الآمِن».
وحسب هذه الأوساط، فإن مجلس الوزراء سيبدأ مداولاته اليوم حول قانون الانتخاب محكوماً بخطين أحمرين: الاول لا للفراغ الذي حسم الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» رفْض حصوله باعتباره «فاحشة الفواحش» ولا تبقى معه «حكومة ولا رئاسة»، والثاني لا للتصويت الذي تتقاطع مواقف الثنائي الشيعي والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط على عدم السماح بحصوله، على عكس رغبة الثنائي المسيحي اي «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) و«القوات اللبنانية» الذي يريد التصويت ورفع «لا» بوجه التمديد من خارج قانون جديد تحت شعار «ميثاقية التصويت» مقابل «ميثاقية التمديد» في محاولةٍ لفرْملة قطار التمديد وربْط حصولة بموافقة القوى المسيحية الوازنة عليه.
والواقع انه ورغم ما شهدته الساعات الفاصلة عن اجتماع مجلس الوزراء اليوم من إشاراتٍ الى تقدُّم النسبية الكاملة التي يصرّ عليها الثنائي الشيعي كإطارٍ لأي قانون انتخاب، ولا سيما بعد كلام الحريري في هذا السياق، وان هذا الامر يمكن الانطلاق منه لمناقشة الدوائر (بين 10 و 15)، إلا ان الأوساط السياسية نفسها ترى ان ثمة عقبة رئيسية تبقى قائمة أمام التوافق على هذا الخيار كمبدأ وكصيغة نهائية، وتتمثّل في موقف الثنائي المسيحي المتمسك حتى الساعة بـ «المختلط» بين الأكثري والنسبي. كما ان اي نسبية كاملة، ولو جرى التسليم افتراضاً بإمكان السير بها، يبقى دون بتّها، الى جانب تعقيدات الدوائر، مسألة الصوت التفضيلي ونسبة الحدّ الأدنى التي يجب ان تحصل عليها اللوائح لتتمثّل في البرلمان، وكلّها نقاط جوهريّة تترك تداعيات على التوازنات في مجلس النواب داخل الطوائف كما بين القوى السياسية، وهو جوهر الصراع حول القانون.
واذ رصدتْ الأوساط عيْنها عدم ارتياحٍ تداعيات انتخابات نقابة المهندسين في بيروت التي خسر فيها مرشّح «التيار الحر» بول نجم امام المستقلّ جاد تابت وما رافق ذلك من اتهاماتٍ وجّهها مناصرون لـ «التيار» الى «القوات» بالتسبّب بخسارة نجم، فهي رأتْ في فوز «النقيب المستقلّ» في مواجهة اللائحة مدعومة من القوى الرئيسية في السلطة إشارة بالغة الدلالة دعت الى «قياس» ارتداداتها على مستوييْن: صلابة تَحالُف «التيار الحر» و«القوات» على جبهة قانون الانتخاب، والمزاج المناهض للقوى المتحالفة في السلطة.
وبمعزل عن مآل جلسة مجلس الوزراء اليوم وملحقاتها، فإن «خميس التمديد» لناظره قريب، وسط تَرقُّب لخيارات الثنائي المسيحي حيال اي جلسة للتمديد الثالث على التوالي لبرلمان 2009 من خارج قانون جديد للانتخاب، وما اذا كان رفض هذا المسار سيبلغ حدّ اللجوء الى المقاطعة في ظل تأييد غالبية القوى للتمديد (الثنائي الشيعي، الرئيس الحريري، جنبلاط)، ام ان الأيام القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتوفير مَخرجٍ ما لتأمين نصاب سياسي – طائفي يُبعد شبح أزمة مبكّرة من شأنها تسديد ضربة موجعة لعهد الرئيس ميشال عون.
(الراي)