كتبت روزانا بومنصف في “النهار”:
يواجه لبنان، في ظل استمرار أهل السلطة في التفاعل مع أزمة الانهيار من ضمن فقاعاتهم الخاصة ومصالحهم السياسية وحدها، مخاطر متفرّعة عن هذا الانهيار تتمثل في أمرين على الأقل وفق معلومات مصادر خارجية. أحد أبرز هذه الأخطار هو في احتمال أن يوضع لبنان على لائحة أو قائمة الدول المتهمة بغسل الأموال المعروفة باسم “فاتف” وذلك نتيجة خروج لبنان من النظام المصرفي الى نظام الكاش بحيث لم تعد المصارف تخضع لقيود المتابعة وربما لم تعد مقيّدة بتبسيطها لأنها لم تعد تخاف كما في السابق. وللمفارقة فإن إيران تعمل وتعوّل منذ شهور طويلة على التوصّل للاتفاق في مفاوضات فيينا من أجل إخراجها من القائمة السوداء لمنظمة «فاتف» الدولية التي تراقب غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وهذا ينذر بأن يتسبب بنشوء حالة اقتصادية غير معروفة.
والخطر الآخر يتمثل في التحول الذي أصاب الوضع اللبناني بحيث إن الاستقرار الأمني لم يعد شرطاً ضرورياً وحاسماً لضمان الاقتصاد، بل على العكس من ذلك، إذ إن الاستقرار الامني باتت ضمانته استقرار الاقتصاد بحيث إنه في ظل العجز عن دفع الرواتب واستجدائها من دول صديقة من الخارج وفي ظل ارتفاع مقصود ومتعمّد لسعر #الدولار وعدم القيام بأي أمر لوقف التدهور، فإن التدهور الامني الاجتماعي قد يغدو امراً مرتقباً الى حد كبير، فأهل السلطة لا يولون أيّ اهتمام للبعد الاجتماعي والانساني لتداعيات الانهيار على الناس. فهللوا لأموال اصطياف أنعشت الوضع قليلاً ولكنهم لم يأبهوا لتزايد نسبة الهجرة ولا سيما الهجرة الشبابية والكفاءات وتقويض الطبقة الوسطى.
والخشية الثالثة أن يكون لبنان استهلك رصيده لدى صندوق النقد الدولي الذي لم يتوقع كثر أن يوقع مع لبنان اتفاقاً مبدئياً قبل أسابيع قليلة من وصول مجلس نواب جديد ورحيل الحكومة وقبل أشهر قليلة من نهاية ولاية رئيس الجمهورية، فيما المرجعيات الرئاسية الثلاث أعطت كل من جانبها تعهدات بتنفيذ الخطوات المطلوبة من صندوق النقد. وذلك فيما هذه الخطوات هي الحد الادنى المطلوب انطلاقاً من أن رفع السرية المصرفية بات سارياً في غالبية دول العالم وحتى في سويسرا، بالاضافة الى أن رفع السرية يتم حين يطلبها الخارج من المرجعيات المالية المسؤولة فيما إقرار الموازنة هو الحد الادنى المطلوب في إدارة أي بلد. أما إقرار الكابيتال كونترول فهو لمدة محددة منعاً لاستنزاف لبنان ما بقي من أموال بخروجها منه وتنظيم أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وحتى الآن استهلك لبنان مرونة بات يطلبها مجدداً من الصندوق بينما هي ورقة استخدمت مرّتين حتى الآن أولاً في الوصول الى اتفاق وتوقيعه مبدئياً، وثانياً في الإجراءات المطلوبة التي يفترض أنها ستحدث تغييراً كبيراً من شأنه أن يحصّن لبنان بصدقية تسمح له بالتوجّه الى الخارج من أجل تأمين الضمانة المالية التي تسهم في دعم تقديم أموال للبنان، علماً بأنه الجزء الأهم والأكثر صعوبة حتى الآن في هذا السياق حتى لو اقتصر على الاعتبارات الاقتصادية ولم تبرز الاعتبارات السياسية.
وحتى الآن وحين يحصل الإصرار على حكومة جديدة حتى قبل أقل من عشرة أيام على بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن هذا الإصرار يصب في خانة السعي الى تجنب أزمة سياسية تفتعل مع رفض فريق تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية الذي سيشغر موقعه وليس لأي أمر آخر. وهذا أمر لا يراه مراقبون كثر سوى في إطار تأخير قسري لانتخاب الرئيس الجديد لأن ذلك يوفر ضمانة لكل الأطراف بأن الفراغ ممكن ومحتمل ولا سيما إن كان يدفع في اتجاهه الفريق المسيحي الذي لا يزال في السلطة رئيساً راهناً وفي الحكومة وحده من دون سائر الأفرقاء الآخرين، والذي يعوّل على تغيّر الظروف الاقليمية بأمل أن تعيد له حظوظاً في الرئاسة الاولى. فتعويم الحكومة في هذه المرحلة هو الوصفة المؤكدة للفراغ الرئاسي ولا يُعتقد أن هذه الحكومة التي تألفت في أيلول من العام الماضي ستكون قادرة على إنجاز أي أمر بعدما عجزت عنه خلال هذه المدة، فالوضع في البلد لم يتغيّر ولو بالحد الأدنى إيجاباً، وتكفي النظرة الى التضخم وانهيار الليرة كما انهيار الخدمات العامة وتفكك المؤسسات وانحلالها والتعتيم الكلي في انعدام الكهرباء وعدم القدرة على تأمين الرواتب لعناصر الجيش والقوى الامنية أو على الحصول على جواز سفر أو أوراق ثبوتية وأكثر، الى الكمّ المتزايد من الهجرة، للدلالة على مدى التصدّع الذي لا يوليه أهل السلطة أي اهتمام ولو بالحد الأدنى، على غرار المماحكة من أجل الحصول على مقاعد أو حصص وزارية. وتعويم الحكومة بدلاً من الذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية فوراً يخرج البلد من جهنم التي دُفع اليها يخشى أنه سيحافظ على استمرار الانحدار في الانهيار الى ما لا نهاية على طريق تغيير وجهة البلد وصورته كلياً ولو بقيت الأحزاب والتيارات ممسكة بأوراق اقتسام المزرعة التي تم تحويل لبنان إليها.