على وقْع تفعيل إسرائيل «ديبلوماسية الحرب» ووضْعها الخيار العسكري «على الطاولة» في رسائلها «المتطايرة» الى عواصم دولية والرامية الى التحذير من عدم لجْم ما تَعتبره مسار تزويد طهران لـ «حزب الله» بأسلحة كاسِرة للتوازن ومَخاطر تحوُّل لبنان «مصنع صواريخ كبيراً لإيران»، كما ترْك الأخيرة عبر الحزب «تتمتْرس» على الحدود السورية – الإسرائيلية، يصبح للقلق الذي «أطْبق» على المشْهد اللبناني من بوابة التوتّر البري – البحري مع اسرائيل معنى أَعْمق وأَوْسع من مجرّد قياسه ببلوكات الإسمنت التي بدأتْ ترتفع على الحدود الجنوبية من منطقة الناقورة أو «الصراع» على بلوك نفطي في المياه اللبنانية (رقم 9).
فبعدما رسمتْ تل أبيب خطوطها الحمر وأَسْمَعَتْ «لاءاتها» لمَن يعنيهم الأمر إقليمياً ودولياً في سياق مواجهةِ ما تراه «مَخاطر وجودية واستراتيجية» ومُواكبةِ ما يستجدّ و«يُطبخ» على «رقعة شطرنج» الأزمات المتشابكة في المنطقة ابتداءً من «ساحة التطاحن» الكبرى في سورية، ترْتفع الخشية لبنانياً وخارجياً من أي «شرارة» يمكن أن تشكّل «عود الثقاب» الذي يُفجّر «برميل بارودٍ» يخْشاه الكل، ولكن قد لا تعود تنفع معه بحال أي «حسابات خاطئة» سياسة إبقاء الصراع «على نار هادئة».
ومن هنا تزداد المعاينة اللصيقة المحلية والدولية لعملية بناء الجدار الاسرائيلي على الحدود الجنوبية للبنان مقابل رأس الناقورة وعند الخط البحري للمنطقة المتنازَع عليها، كما لآفاق «الاشتباك» الديبلوماسي الذي «أشْعله» زعْم وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان ملكية بلاده للبلوك رقم 9 الذي يعلن لبنان اليوم التوقيع الرسمي لعقود الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز فيه، كما في البلوك رقم 4 مع ائتلافِ شركاتٍ فرنسية – روسية – ايطالية.
وفي موازاة التقديرات عن أن الحرب الاسرائيلية على «حزب الله» باتتْ «مسألة وقت» مقابل اعتبار أوساط متابعة أن مثل هذه الحرب لا يريدها الحزب و«تَحْسب تكلفتها» تل أبيب، فإن ثمة التقاء على وجوب تفادي تحويل قضية الجدار الحدودي والبلوك النفطي «صاعقاً» يمكن أن يقود الى المواجهة الكبرى سواء بخطأ كبير أو قرار كبير.
وبعدما أعلن لبنان الرسمي «الاستنفار» سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً معطياً الضوء الأخضر لقواته الشرعية للتصدّي لأي اعتداء اسرائيلي في البرّ أو البحر، وتفعيل «ديبلوماسية الهاتف» مع عواصم القرار والدول الصديقة والجامعة العربية لتأكيد حقوقه سواء في أرضه بحال بلغ «جدار الفصل» النقاط 13 المتنازع عليها على «الخط الأرزق» أو ثروته النفطية والغازية، شخصتْ الأنظار أمس على عملية بناء الجدار التي اقتصرتْ حتى الساعة (على مساحة نحو 40 متراً) على المقلب الاسرائيلي من دون أن تلامس «خطوط التماس»، في حين برز غداة إبداء تل ابيب قبولها بالاحتكام إلى «وساطة دولية» للتفاوض مع لبنان حول مصير البلوك «9» ما أبلغه مسؤول لبناني الى «رويترز» من أن «مبعوثا أميركياً يتوسط بين لبنان وإسرائيل، لا يرى أي اتجاه للتصعيد في التوتر».
وبدا واضحاً في بيروت أن المقصود بالمبعوث الأميركي هو نائب مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد الذي توّج زيارة الثلاثة أيام لبيروت بلقاء الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، أمس، بعدما زار يرافقه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم المقر الرئيسي لقوة «اليونيفيل» في الناقورة، قبل أن يقوم بجولة على طول «الخط الأزرق».
وجاءت هذه الجولة على وهْج «البناء التصاعُدي» الديبلوماسي الاسرائيلي والإعلامي الأميركي الذي يزعم تحوّل منطقة القرار 1701 بمثابة «أرض سائبة» لميليشيات عراقية مدعومة من إيران مع تركيزٍ، ولا سيما من السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون في رسالة وجّهها الى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، على ما قال إنها زيارة قام بها عضو مجلس خبراء القيادة الإيرانية إبراهيم رئیسي، الذي يُطرح اسمه كأحد المرشحين لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، للحدود اللبنانية الجنوبية برفقة قادة في «حزب الله» بالزيّ العسكري، وحديثه عن «تحرير القدس».
ولم تحرف زيارة ساترفيلد للجنوب الأضواء عما تكشّف عن محادثاته مع كبار المسؤولين والتي تناولت وضعيّة «حزب الله» وتأثيراتها المحتملة على لبنان، إذ نقلتْ عنه صحيفة «الجمهورية» قوله انّ بلاده «دخلت الآن في مرحلة جديدة في المنطقة تقوم على فرز قوى الخير من الشر، وهي تتمنّى أن يكون لبنان في هذا الاطار قوة مساعِدة في عمليات السلام المطروحة في المنطقة بالتزام عدم تدخل (حزب الله) في الحرب، وأن يسهّل مشروع بناء الدولة في لبنان ووقف كل العمليات التي تسيء الى الدول الخارجية»، مؤكداً عزم واشنطن على «السير في مشروع العقوبات ضد الحزب حتى النهاية»، وداعياً الحكومة اللبنانية الى «أن تعطي دوراً أكبر للمؤسسة العسكرية في أمن لبنان الاستراتيجي وصون الحدود وتطبيق القرارين 1559 و1701».
وفي حين ستكون مجمل هذه العناوين محور الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لبيروت منتصف الشهر الجاري، فإن لبنان الرسمي مضى في تثبيت موقفه الجامع من التهديدات الاسرائيلية مستفيداً من «فضّ الاشتباك» الداخلي الذي كرّستْه «القمة الرئاسية» في قصر بعبدا (الثلاثاء الماضي) والتي أعادت عجلة المؤسسات الى الدوران، وهو ما تجلى أمس في طيّ صفحة «أزمة المرسوم» التي فجّرتْ «حرباً» سياسية – دستورية بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه بري، وذلك عبر مَخْرجِ توقيعٍ على قاعدة «لا منْتصِر ولا منْكسِر»، وانعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كرّستْ فصْل «المعركة» التي لم تنته بين بري ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل عن مسار العلاقات الرئاسية ومقتضيات عدم شلّ المؤسسات.
وقد حضرت «الاستفزازات» الاسرائيلية في كلام عون الذي أكد «حق لبنان في ممارسة سيادته على أرضه ومياهه ورفض أي اعتداء عليهما».
وقال رئيس الجمهورية الذي أعلن أنه سيلبي الدعوة الرسمية لزيارة كل من العراق وأرمينيا في النصف الثاني من الشهر الجاري «ان الاتصالات جارية عبر الأمم المتحدة والدول الصديقة لمعالجة موضوع الجدار والبلوك رقم 9 بالطرق الديبلوماسية، ونأمل ألا تصعّد اسرائيل اعتداءاتها في هذا المجال»، معلنا ان «التعليمات أعطيت لمواجهات اي اعتداء على لبنان».
وتوازياً، أعلن وزير الأشغال يوسف فنيانوس عن مشروع لإنشاء مرفأ دولي في الناقورة ليكون «مشروع مقاومة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية».
(الراي)