لولا الاتصال الذي أجراه رئيس الحكومة سعد الحريري بوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز مهنئاً إياه على توليه مقاليد ولاية العهد ومتمنّياً له التوفيق في مهماته، لكان هذا الحدَث الذي شغل العالم مرّ كغيره من العناوين الكبرى، التي لم تعد تجد لها مكاناً في أجندة الاهتمامات اللبنانية التي صارتْ «محلّية بامتياز» نتيجة «تطبيع» واقعه الداخلي مع مقتضياتٍ «واقعيةٍ» سياسيةٍ يتصرّف بمقتضاها أفرقاء رئيسيون من خصوم «حزب الله» الذي يبدو منذ إنهاء الفراغ الرئاسي بمثابة «المُمسك» بخيوط اللعبة ويحرّكها وفق موازين القوى التي يرسمها «بالنار» في أكثر من ساحةِ مواجهة بالمنطقة ولاسيما سورية.
وعلى أهمية ملف الكهرباء والتباين حول خطّة استئجار بواخر لإنتاج الطاقة الذي «كهْرب» أجواء مجلس الوزراء أمس والعلاقات بين الحلفاء… وعلى أهمية حلقة التشاور التي يترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم لرؤساء الأحزاب المشارِكة بالحكومة لتنشيط المؤسسات و«تنظيم» مرحلة ما بعد إقرار قانون الانتخاب وفترة الـ 11 شهراً الفاصلة عن الانتخابات النيابية…
وعلى أهمية «الاندفاعة» من «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) لإدخال تعديلات على قانون النسبية الكاملة في 15 دائرة وما يقابلها من «خطوط دفاع» يتقدّمها رئيس البرلمان نبيه بري بوجه أي محاولاتٍ للعودة إلى نقاط سبق ان رُفضت خلال مرحلة التفاوض والاكتفاء بتصحيح بعض «أخطاء العجَلة» إذا وُجدتْ…
على أهمّية كل هذه الملفات، فإن ثمة اقتناعاً يتزايد في الكواليس السياسية بأنّ لبنان الذي نجح في عزْل واقعه عن تأثيراتِ الوقائع اللاهبة في المنطقة، وهو ما تَكرّس مع التسوية الرئاسية وصولاً إلى التفاهم أخيراً حول قانون الانتخاب، إنما صار أسير معادلةٍ صعبةٍ تتحّكم به: فإما ركوب «موجة الواقعية» ولو تحت عناوين مثل «المخاطرة الكبرى» أو «تقديم عروض» لا يمكن رفْضها من «حزب الله»، وإما الانخراط بمواجهةٍ داخلية مع الحزب بلا أيّ أفقٍ خارجي في ظلّ التحوّلات الدراماتيكيةِ بالمنطقة، وذلك بانتظار ما ستتمخضّ عنه التطورات المتسارِعة على «خط نار» الرقة – دير الزور وإذا كانت ستقلب الصورة القاتمة التي رسمها آخر سفير أميركي لدى سورية روبرت فورد حين قال (لصحيفة الشرق الاوسط) تعليقاً على رغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب بتقليص نفوذ طهران في سورية والمنطقة» لا يعرف ان «اللعبة انتهت. تأخّروا كثيراً، أوباما لم يترك لإدارة ترامب الكثير من الخيارات لتحقيق هدفها».
وإذا كان من «إشارات» هذا الواقع استبعاد موضوع «الاستراتيجية الدفاعية» (سلاح حزب الله) عن حلقة التشاور في القصر اليوم التي ستركّز على تفعيل عمل المؤسسات وتطبيق ما لم يُنفَّذ من اتفاق الطائف (مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية)، فإن أوساطاً سياسية ترى أن الـ 11 شهراً المقبلة في لبنان ستكون كفيلة إما بتثبيت ميزان القوى الذي اختلّ داخلياً لمصلحة «حزب الله»، الذي فرض شروطه في الملف الرئاسي، بمعادلة «عون أو لا انتخابات»، ثم في قانون الانتخاب بمعادلة «النسبية الكاملة أو لا قانون»، وإما بتصحيح الخلل الذي يشكّل عملياً انعكاساً لتسليمٍ خارجي بأن لبنان «سقط» في يد الحزب الذي يَحرص بدوره على «حفظ» المكسب الذي حقّقه لبنانياً والذي يراهن على تكريسه بصناديق الاقتراع التي يَعتبر انها ستُضعِف خصمه الرئيسي الوازن تيار «المستقبل» وتعزّز حضور حلفاء له في البيئات غير الشيعية. علماً أن هذه الأوساط ترى ان سياسة «التسليم» للحزب من باب «الحدّ من الخسائر» قد تكون مفيدة لإمرار «العاصفة الكبرى» في المنطقة وانقشاع الرؤية على صعيد عملية «ترسيم النفوذ» الاقليمي – الدولي وتبلْور خيارات إدارة ترامب ودول الخليج لجهة التصدّي لإيران، لافتة الى أن «حزب الله» بدوره يتعاطى بدراية مع الواقع اللبناني وعلى طريقة «الحرب الناعمة» لانتزاع ما يريد، لاقتناعه بأن «الردّ» على المستوى الاقليمي يكون «في ملاعب النار» المفتوحة ولا طائل منه في لبنان «الممسوك».
وفي هذا السياق يُنتظر أن تحمل كلمة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله غداً إطلالة «مدوْزنة» على الواقع اللبناني وتطورات المنطقة وحتى «أزمة قطر»، وذلك غداة «طاولة القصر» نصف المستديرة التي ستطلق ورشة تنشيط المؤسسات في ضوء فتْح دورة استثنائية للبرلمان (الممدَّدة ولايته) بدأت أمس وتستمرّ حتى 16 أكتوبر المقبل، والتي سيغيب عنها النائب وليد جنبلاط بفعل زيارة مسبقة كانت مقرَّرة لموسكو (سيمثّله الوزير مروان حمادة)، مع إمكان تغيّب رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أيضاً (ليمثّله الوزير ملحم رياشي)، وذلك على وقع رفْع حزب «الكتائب» صوت الاعتراض على إقصاء المعارضة عن «الطاولة» محذّراً من منحى «ديكتاتوري» للسلطة.
وفي موازاة ذلك، لفت كلام لرئيس الحكومة سعد الحريري (في إفطار) أعلن فيه «الانتخابات أمامنا وتيار المستقبل يجب أن يكون اعتباراً من اليوم في حالة استنفار»، متوجهاً الى خصومٍ «يأخذون اسم رفيق الحريري ليعملوا لمصلحة الجهات التي هدفها انهاء مشروع رفيق الحريري، ومَن يقول غير ذلك يكون كاذباً، اي انهم يلعبون دور حصان طروادة لا أكثر ولا أقلّ».
(الراي)