يُنتظر أن تصدر وكالة “ستاندرد أند بورز” تصنيفها الإئتماني للبنان في 23 آب الحالي. وهناك خشية من خفض التصنيف من درجة (-B) إلى (+CCC). فما هي المعايير التي تعتمدها وكالات التصنيف الدولية في توصيفها لواقع بلد ما؟ هل هي معايير اقتصادية ومالية أم سياسية أيضًا؟ وأيّ تداعيات لخفض التصنيف على الوضعين المالي والإقتصادي ؟
تعمد تصنيفات الوكالات الدولية إلى تقييم مدى قدرة الحكومة على تغطية استحقاقاتها المالية، ولبنان يقوم بتسديد هذه المستحقات في مواعيدها، بحيث استطاع مصرف لبنان تسديد كلّ استحقاقات الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية. وهذه نقطة إيجابية، ولكن هناك جملة عوامل تستند إليها الوكالات في تصنيفها كالوضع الإقتصادي وضع المديونية والمخاطر السياسية والشفافية والوضع المصرفي وغيرها من العوامل.
وعن التوقعات حيال تصنيف “ستاندر أند بورز” تحدث الخبير والباحث الإقتصادي والإسترتيجي البروفسور جاسم عجاقة لـ “لبنان 24” عن احتمالين، إمّا أن يبقى التصنيف المرتقب كما هو، في حال تمّ تفعيل العمل الحكومي، أو أن يتمّ خفض التصنيف إلى مستوى (+CCC) وهذا الإحتمال كبير، ويُرفق بنظرة مستقبلية سلبية أو مستقرة.
تداعيات خفض التصنيف ينعكس في الأسواق المالية وينتج عنه ارتفاع كلفة الإستدانة ، بحيث تحجم الناس عن شراء سندات خزينة أو تبتاعها بسعر أقل. “وبإعتقادي الشخصي لن يكون لخفض التصنيف الوقع الكبير، كون الأسواق المالية كانت قد استوعبت صدمة تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني . وعلى الأرجح ستكون التداعيات محدودة ، مع إرتفاع بسيط في كلفة خدمة الدين العام وكلفة إقتراض المصارف اللبنانية “.
هل يعني خفض تصنيف لبنان الإئتماني أنّ لبنان على شفير الإنهيار؟
يجيب عجاقة ” خفض التصنيف لا يعني بالمطلق حصول انهيار. كما أنّ الإفلاس هو مصطلح يعني التوقّف عن الدفع وهو لا ينطبق على لبنان. فديون لبنانالخارجية تبلغ 33 مليار دولار أميركي ، وهو مبلغ أقل من إحتياطي مصرف لبنانمن العملات الأجنبية والذهب. والوقائع والمعطيات المالية تدحض أيّ حديث عن إفلاس الدولة أو حصول انهيار”.
أمّا المعايير التي تستخدمها الوكالات في تصنيفها بحسب عجاقة فهي متنوعة ، منها ما هو اقتصادي كالناتج المحلّي الإجمالي والإستثمارات والودائع والصادرات. ومنها ما هو نقدي كالتضخّم وسعر صرف العملة والقروض المصرفية. فضلًا عن الدين العام وعجز الموازنة والمداخيل والإنفاق العام .ومعايير أخرى كميزان المدفوعات والإحتياط من العملات الأجنبية والميزان التجاري والإستثمارات الأجنبية المباشرة، والمحافظ الإستثمارية. كما تستند الوكالات إلى بيانات الإقراض وبيانات الميزانية الخارجية.
الأوضاع السياسية تؤخذ أيضًا بالحسبان ، وهو ما يطلق عليه عجاقة مؤشر الثبات السياسي الذي يلعب دوّرًا أساسيًا في تصنيفات الوكالات الدولية للدول التي لا تتمتع باستقرار سياسي. وفي هذا السياق يتحدث عجاقة عن معطيات إيجابية تكمن في توقيع رئيس الجمهورية لموازنة العام 2019 ونشرها في الجريدة الرسمية في ملحق خاص. ولكن بالمقابل هناك مؤشرات سلبية تكمن في التجاذبات السياسية على خلفية حادثة قبرشون، وما نتج عنها من تعطيل لجلسات الحكومة على مدى أربعين يومًا، الأمر الذي حال دون إقرار مشاريع سيدرأو الشروع في وضع الرؤى الإقتصادية وترجمتها .
الهاجس الأكبر لدى المواطن أن تعمد الحكومة في مواجهة التصنيفات السلبية إلى حلول تقليدية لأزمتها، عبر اللجوء إلى سلّة ضرائبية جديدة تطال ذوي الدخل المحدود والمتوسط، على قاعدة تقديم التضحية منعًا للإنهيار، وذلك هربًا من تنفيذ إصلاحات جدّية تضع حداً للفساد والهدر. من هنا عاد الحديث عن رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى نسبة 15 % ورفع الضريبة على صفيحة البنزين بنسبة خمسة الآف ليرة. وذلك في زمن الإعداد لموازنة العام 2020 ، بحيث تتعاظم الخشية من تضمين مشروع الموازنة ضرائب جديدة لتوفير إيرادات. وهي أسهل الحلول بالنسبة للحكومة وأصعبها على المواطن الذي يعاني من جراء الأزمة الإقتصادية وتنخفض لديه القدرة الشرائية، في وقت يمكن للحكومة أن تلجأ إلى خيارات أخرى تؤّمن من خلالها إيرادات تفوق تلك المتأتية من الضرائب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، جباية الأموال من الأملاك البحرية ومن ضبط التهرب الجمركي ومن تقليص بدلات إيجار المباني الحكومية وتلك التابعة للمنظمات الدولية والأممية كالإسكوا مثلًا، عبر الإبتعاد عن اختيار المناطق الأعلى إيجارًا كوسط بيروت .
لبنان24