رغم الحيوية التي يحاول رئيس الحكومة حسان دياب أن يضخّها في نشاط السرايا الحكومية التي تشهد ورش عمل مفتوحة متوازية لإنجاز «الرسم التشبيهي» لِما يفترض أن يكون «ممرّ خروج» من النفق المالي – الاقتصادي الأكثر قتامة في تاريخ البلاد، إلا أن الأيام العشرة الأولى بعد صدور مراسيم ولادة الحكومة لم تحمل مؤشراتٍ إلى أن تركيبة «الوكلاء» الاختصاصيين الذين ينوبون عن «الأصيلين» السياسيين – الحزبيين والتي يشكّل «حزب الله» رافعتها الرئيسية ستكون قادرة على تحقيق معجزة الإنقاذ الذي يسابِق عوارض الانهيار المتشابكة والمتدحرجة.
وهذه الخلاصة التي تعبّر عنها أوساط مطلعة، ترتكز ليس فقط على حقل الأشواك الداخلي الذي يحوط مسار الإنقاذ، والشكوك الكبيرة في قدرة الائتلاف الحاكم على «خلْع جلده» والتزام الإصلاحات التي تُعْتَبَرُ المدخلَ «الوحيدَ» لرمي «طوْق النجاة» الخارجي للبنان، بل أيضاً على مدى قدرة الحكومة على إدارة عملية «التحوّل السياسي» الذي عبّرت عنه تشكيلة «اللون الواحد» بما يجعل المجتمع الدولي، الذي اتخذ حتى الآن وضعية الانتظار حيال «الانقلاب الناعم» الذي قام به «حزب الله» ومعه «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون)، قادراً على مدّ «بلاد الأرز» بما تحتاج إليه للخروج من حال «الموت السريري» المالي – الاقتصادي من فوق كل خطوط الاشتباك، الأميركية خصوصاً، مع إيران وأدوارها وأذرعها في المنطقة.
وترى هذه الأوساط أنه إلى جانب «صفقة القرن» التي يجد لبنان نفسه على تماس مباشر مع تداعياتها من بوابة ملف اللاجئين الفلسطينيين وخطر توطينهم والتي يبقى الرصد الدقيق لمنسوب مخاطرها مرتبطاً بما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيستخدم سياسة «العصا والجزرة» لمحاولة فرْضها وتالياً هل تكون بيروت «الحلقة الأضعف» في تَلقي تأثيراتها في ظل واقع الدولة المفكّك والوضع المالي المتهالك، فإنّ «ألغاماً» خارجية أخرى تطلّ برأسها ومن شأن ربْط البلاد بها من خارج المظلتين العربية والدولية تقويض أي جهودٍ لـ«الإفلات» من السقوط المالي المريع.
وفي هذا الإطار، تساءلت الأوساط نفسها عن مغزى التسريبات عن استعداد روسي للدخول على خط دعم لبنان عبر وديعة مصرفيّة بمبلغ مليار دولار تساهم في إعادة الثقة إلى القطاع المصرفي وضخّ عملة صعبة لدعم الليرة وذلك من ضمن مسارٍ يشترط تطوير العلاقات اللبنانية – السورية والتعاون الاقتصادي ويتكامل مع نظرة روسيّة – صينية إلى العلاقة بين لبنان وسورية والعراق وعن أن الرئيس عون بات مقتنعاً بضرورة زيارة دمشق.
ورغم الدلالات التي اكتسبها نفي أوساط السفارة الروسية في بيروت استعداد موسكو لمساعدة لبنان مالياً عبر وديعة مالية وفتح خط ائتماني بمليار دولار، فإن مناخ الضغط نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري باعتباره جزءاً من «مفاتيح الحل» للمأزق المالي – الاقتصادي، وهو ما كان روّج له «حزب الله» في الأيام الماضية، يطرح علامات استفهام حول إذا كان هذا المناخ يعكس محاولاتٍ ستحصل لإدراج ذلك ضمن البيان الوزاري للحكومة التي تعمل على إنهائه هذا الويك اند تمهيداً لنيل الثقة على أساسه، أم أنه يمهّد «لما سيكون» سياسياً على هذا الصعيد.
وإذ تعتبر المصادر المطلعة أنه ولو لم يُدرج التطبيع مع النظام السوري، وهو ما كان عنواناً خلافياً كبيراً في حكومتيْ الرئيس سعد الحريري منذ 2016 وحتى استقالته في 29 أكتوبر الماضي، في البيان الوزاري تفادياً لاستجلاب حساسيات داخلية، فإنها تؤكد أن أي دفْع لبيروت في اتجاه التعاطي مع الملف السوري من خارج الإجماع العربي والدولي سيشكّل واحداً من العلامات النافرة لسقوط الحكومة في «امتحان التموْضع السياسي» الذي اعتبره الخارج شَرْطاً للدعم المالي متلازماً مع الإصلاحات الجدية.
وفي رأي المصادر نفسها أن من الضرورة بمكان رصْد أداء لبنان عبر وزير الخارجية الجديد ناصيف حتي في أوّل إطلالة خارجية له في اجتماعيْ مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية الذي سيعقد في القاهرة غداً بدعوة من الجامعة العربية ويوم الاثنين في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في المملكة العربية السعودية للبحث في تفاصيل «صفقة القرن» وانعكاساتها، لافتة إلى أن المؤشرات الأولى للموقف الرسمي اللبناني عكستْ منحى لتسجيل موقف مبدئي وحازم حيال التمسك بمبادرة السلام العربية (قمة بيروت 2002) ورفْضاً جامعاً وقاطعاً لأي توطين، ويبقى ترقُّب كيفية إدارة الموقف بحال برزتْ فروقاتٌ في سقف الخيارات أو المواقف العربية.
ولم تحجب هذه الاهتمامات الأنظار عن الأزمة المالية «العاتية» التي تعتبر المصادر المطلعة أنها لا «تلاطم» فقط صعوباتِ بناء أرضيةِ الإنقاذ وتوفير الغطاء الخارجي لها فقط، بل أيضاً كيفية «إمرار» الإجراءات «المؤلمة»، التي لن يكون هناك مفرّ منها، في الشارع الذي يمْضي منذ 17 أكتوبر الماضي في انتفاضته التي شكّل «شرارة» تفجيرها اتجاهُ الحكومة السابقة لاتخاذ قرار بفرْض ما عُرف بـ«ضريبة الواتساب» (6 دولارات في الشهر على المكالمات عبر الانترنت)، الأمر الذي جاء بمثابة WAKE UP CALL للبنانيين رفْضاً لطبقةٍ سياسية أوصلت البلاد إلى «القعر الذي لا قعر تحته» وتقاسمت غالبيتها «أرباح السرقات والسمسرات» وإذ بها تختار أن يدفع المواطن لوحده ومن جيْبه ثمن «التفليسة».
وكان لافتاً ما أشار إليه عون أول من أمس من «انّ الازمة الاقتصادية – المالية تبقى الأخطر، ونحن اليوم في صدد معالجة هذين الوضعين الصعبين، والإجراءات التي ستُتخذ ستكون قاسية وربما موجعة ما يتطلب تفهّم المواطنين لهذا الأمر»، وذلك بعدما كان الرئيس دياب طمأن إلى أن الصورة ليست بالسودوية التي يجري تعميمها، وهو ما اعتبرتْ المصادر أنه في سياق «تحضير الأرض» ومصارحتها بما سيكون، وفي الوقت نفسه محاولات إشاعة مناخاتٍ تفرْمل «انهيار الثقة» الذي يضغط مزيداً من استنزاف الدولار من المصارف رغم «التقنين» القاسي الذي تعتمده على السحوبات والتحويلات إلى الخارج، علماً ان هذا الضغط يشمل أيضاً الليرة اللبنانية.
وفي هذا السياق استوقف المصادر المطلعة أنه في أقلّ من 40 يوماً وصلتْ إلى لبنان دفعتان من العملة الوطنية، الأولى كانت عبارة عن 9 أطنان من فئتي الـ50 ألفاً والـ100 ألف ليرة (في 24 ديسمبر) جرت طباعتها، والثانية حطت أمس في مطار رفيق الحريري الدولي ولم يُعلن إلا أنها عبارة «عن طرود من الخارج تحتوي على كميات من العملة اللبنانية وقد تسلّمها مصرف لبنان».
ومنذ «طبعة» ديسمبر جرى ربْطُ الأمرِ بكثافة السحوبات بالليرة، كما بإمكان أن تساهم الكميات الجديدة بتأمين رواتب موظفي القطاع العام وبعض التزامات الدولة بالعملة الوطنية، وسط تحذيرات خبراء من التداعيات السلبية لطباعة العملة على ارتفاع التضخم وزيادة الطلب على الدولار الذي يبلغ سعره في السوق الموازية نحو 2100 ليرة لبنانية.
الراي