كَرَّسَ رئيسُ الوزراء سعد الحريري وحدةَ الموقفِ اللبناني حيال «صفقة القرن»، بتأكيده أن «الحكومةَ ومجلسَ النواب وكلّ لبنان ضدّها»، مشدداً على «أن دستورنا يمنع التوطين ولا يزايد أحد علينا في ذلك»، وداعياً إلى عدم ربط الدين العام للبنان بموضوع التوطين «لأنّ الجميع في المجلس والحكومة يعملون على إيجاد حلول للدين وللأزمة الاقتصادية».
وإذا كان كلامُ الحريري، قبيل الجلسة العامة التي عَقَدَها البرلمان أمس وأَتْبَعَها بأخرى انتَخب فيها حصّة مجلس النواب من أعضاء المجلس الدستوري (5)، أكّد المؤكّدَ لجهة أن «صفقة القرن» لن تكون عنوان تَجاذُب داخلياً في ضوء تَحَوُّل عنوان رفْض التوطين «بدَلاً عن ضائع» اسمُه عدم الرغبة في تظهير تمايُزات حول «أصْل القضية»، فإن حرْصَه الضمني على تبديد أي مخاوف من إمكان مقايضةِ التوطين بالمساعدات الدولية للبنان للنهوض المالي – الاقتصادي بدا قطْعاً للطريق على محاولات «إثارة غبارٍ» من هذا النوع، وخصوصاً في ظلّ إيحاءاتٍ تَعَمَّدتْ الخلْط بين مساريْ مؤتمر «سيدر» ومخصصاته (أكثر من 11 مليار دولار) وما ترصده «ورشة المنامة» من ضمن بناء الأرضية الاقتصادية لـ«صفقة القرن».
وفيما أَبْقَتْ «بيروت على ربْطِ الأحزمة في ملاقاة (الحرب المعلَّقَة) فوق مياه الخليج بين الولايات المتحدة وإيران ومَخاطر انخراطِ لبنان فيها بحال الانفجار الكبير، في موازاة تحرّياتٍ غير معلَنة عن التفاهمات التي أفضتْ إليها القمة الأمنية الأميركية – الاسرائيلية – الروسية حول دور إيران وأذرعها في سورية ووضعية (حزب الله)، ظلّ الوضعُ المالي – الاقتصادي في واجهة الاهتمام وسط مَلامح سباق متجدّد بين الحاجة إلى إنهاء مرحلة (تأهيل) لبنان للاستفادة من محفظة الـ11 مليار ونيف (من سيدر) وبين الوقائع المتدحْرجة في المنطقة والتي تشكّل، ولو في (جرْعتها) الحالية، عوامل ضاغطة يمكن أن تتحوّل (صواعق انهيار) مع أي مفاجآتٍ إقليمية غير محسوبة».
ومن هنا تتركّز الأنظار على الأشواط الأخيرة من «المشوار الشاقّ» لإقرار مشروع موازنة 2019 في البرلمان، والتي تخضع لـ«رقابةٍ دوليةٍ» عن قُرب تعبّر عنها زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لبيروت تمهيداً لوضع التقرير الدوري حول الواقع المالي – النقدي في لبنان، وسط تأكيدها وجوب الإسراع في إنجاز الموازنة لتحرير أموال «سيدر» وتَفادي المزيد من الضغوط على الوضع المالي، وهي الضغوط التي تطرّقت إليها وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني أمس بقولها إنّ «لبنان يستهدف خفض العجز، والمركز المالي الخارجي للبنان لا يزال يتعرّض لضغوط، وهو ما يتضح في انخفاض الاحتياطات الأجنبيّة والودائع المصرفيّة في 4 أشهر حتّى ابريل»، موضحة أنّ «تشكيل الحكومة اللبنانية في يناير الماضي لم يدعم المؤشرات الرئيسيّة مثل نمو ودائع البنوك والاحتياطات الأجنبيّة»، ومؤكدة أن «استمرار انخفاض الاحتياطي قد يسبّب المزيد من تآكل الثقة في النظام المالي اللبناني».
وفيما كان وفد صندوق النقد، الذي نُقل عنه أن «لبنان أمام خيارين، إما الاصلاح الحقيقي وإما الانزلاق الى مخاطر كبيرة»، مضى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الطمأنة إلى استقرار الوضع المالي – النقدي والردّ الضمني على التقارير التي تحذّر من دخول السندات اللبنانية مرحلة الخطر في ظلّ تأخّر إقرار الموازنة. وأكدّ من القصر الجمهوري «أن الأسواق الثانوية التي تعنى بأسعار (اليورو بوندز) المصدَّرة من الدولة اللبنانية، مستقرّة، فيما تعيش أسواق القطع حالة توازن».
وعلى وقع هذه المناخات، التأم البرلمان أمس في جلسة تشريعية أقرّت سلسلة قوانين قبل أن يتم انتخاب 5 أعضاء من المجلس الدستوري (طنوس مشلب – ماروني، اكرم بعاصيري – سني، عوني رمضان – شيعي، أنطوان بريدي – ارثوذكسي ورياض أبو غيدا – درزي) من ضمن تفاهُم سياسي بدا أقرب الى المحاصصة التي قوبلت باعتراضاتٍ نيابية ولو من بابِ «رفْع العتب».
وإذ يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم في السرايا الحكومية في موازاة استئناف مناقشة مشروع الموازنة في البرلمان، تضرب بيروت موعداً مع تحركات احتجاجية في الشارع ينفّذها العسكريون المتقاعدون احتجاجاً على بعض البنود المتعلقة بوزارة الدفاع وحقوق العسكريين ومخصصاتهم، علماً أنهم توعّدوا بـ«عزْل»عن المناطق الأخرى عبر قطع طرق عند مداخل العاصمة سيحصل بين الخامسة والعاشرة صباحاً.
الراي