ترتسمُ في بيروت علاماتُ استفهامٍ كبيرة حول مغزى التضاؤل المريع في هيْبة الحكم إلى الحدّ الذي يجعل البلاد وكأنها في غربةٍ عن سلطةٍ مركزية، سلّمتْ في المسائل الاستراتيجية باحتكار «حزب الله» للإمرة في قضايا الحرب والسلم وفي القفز فوق الحدود والتحوّل جيشاً عابِراً لساحاتِ المنطقة، وأَظهرتْ في المسائل اليومية عجْزاً هائلاً حيال ملفاتٍ حيوية كالكهرباء أو مكافحة ظواهر مأسوية متعاظِمة كالقتل اليومي والجرائم الموصوفة والسرقات المافيوية لأراضي الدولة ومشاعاتها في غير منطقة لبنانية.
وتتزايد أخطار الانكماش المضطرد في هيْبة الحكم وسلطته في ضوء تحدياتٍ ما فوق عادية تواجه لبنان على الجبهات التي تحوطه، من الجنوب المرشّح لمنازلةٍ اسرائيلية – إيرانية قد تنزلقُ الى حد المواجهة تبعاً لمقتضيات «الميدان» السوري، ومن الشرق الذي يتهيّأ لـ «آخر المعارك» مع المنظمات الإرهابية في جرود عرسال التي تشهد مفاوضاتٍ بالنار لحمل «جبْهة النصرة» على الانسحاب الى الداخل السوري وترْك «داعش» المحاصَر لمواجهةٍ غير متكافئة كفيلة بالقضاء عليه.
واللافت أن الحكم في لبنان يمضي في الانحناءة أمام العواصف المحتملة من فوق رأسه، وأَظهر حتى الآن لا مبالاةٍ حيال مؤشراتِ امتداد النار إليه، فلم «يعلّق» لا على إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الاتجاه إلى استقدام مئات الآلاف من مقاتلي الميليشيات الموالية لإيران الى لبنان للمشاركة في أي مواجهةٍ محتملة مع إسرائيل، ولا على تمادي إسرائيل في «فتْح النار» السياسية والديبلوماسية على قوة «اليونيفيل» ودورها في جنوب لبنان.
هذا الصمت الرسمي خرقه أمس موقفٌ «يتيم» لوزير الداخلية نهاد المشنوق جاء رداً على سؤالٍ عن الكلام الأخير لنصرالله، وأدلى به بعد اجتماع عقده مع رئيس الجمهورية ميشال عون، إذ قال «هذا كلام لا يعبّر عن موقف الدولة والحكومة والشعب، وأقلّ ما يقال فيه انه غير مسؤول وطنياً ويفتح الباب أمام اشتباكاتٍ سياسية نحن بغنى عنها»، مضيفاً: «قبل أن نأتي بالحشود ونستورد مقاتلين لمقاومة اسرائيل، فلنحشد اللبنانيين أولاً على موقفٍ واحد، ونحن كحكومة لن نقبل ولن نسمح بذلك، بقوة اللبنانيين والدولة وكل المؤسسات، وهذا الكلام يعطي انطباعاً بأن هناك استيراداً للحريق السوري الى لبنان».
وفي اللحظة التي استمّرت ارتدادات كلام نصرالله، ارتفعت الحماوة على الجبهة المسترخية على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية في ضوء «هجمةٍ» إسرائيلية على دور «اليونيفيل» عبّر عنها ما أبلغته مصادر عسكرية اسرائيلية رفيعة الى موقع «المونيتور» من أن «اليونيفيل» باتت عملياً «ورقة تين» للقرار 1701، واصفة قوات الطوارئ الدولية بأنها «قوة تبيض أنشطة حزب الله على طول الخط الازرق»، لتخلص الى حد القول «لم نعد بحاجة الى هذه القوة لفترة أطول».
وجاء الموقف الاسرائيلي العلني بعد جولة كانت قامت بها المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي على المقلب الاسرائيلي من الحدود مع لبنان، حيث حضر بقوة اعتراض اسرائيل على جمعية «أخضر بلا حدود» البيئية الناشطة على الحدود اللبنانية مع اسرائيل، والتي اعتبرت الأخيرة أن «حزب الله» يستخدمها لإقامة نقاط مراقبة ترصد تحركات الجيش الاسرائيلي، وهو ما نفته «اليونيفيل».
(الراي)