تَقاسَمَ المشهد اللبناني أمس ملفان، «تَقَصّي» قوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان الحقائق المتصلة بمزاعم اسرائيل حول اكتشافها في إطار عملية «درع الشمال» نَفَقاً «عابراً للحدود» مدّه «حزب الله» في اتجاه أحد مستوطناتها، و«تَقَفّي أَثَر» المساعي المتجددة لكسْر المأزق السياسي – الدستوري المتمثّل في العجز عن تشكيل الحكومة الجديدة منذ نحو 200 يوم.
وفيما كانت العيون شاخصة على ما ستخلص إليه مهمّة «اليونيفيل» باعتبار أن نتيجة تقرير القوة الدولية سيرتّب نتائج أقلّه ديبلوماسية، فإن لبنان الرسمي بدا متوجّساً من تداعيات هذا الملف، وهو ما عبّر عنه كلام رئيس البرلمان نبيه بري عن «مزاعم اسرائيلية»، وصولاً الى استعداد بيروت لتقديم شكوى ضدّ اسرائيل في مجلس الأمن على خلفية خروقها «الدائمة» لأجواء لبنان ومياهه الإقليمية، في خطوةٍ يُراد منها عدم ترْك الساحة الدولية خالية أمام تل أبيب للتمادي في «مضبطة الاتهام المفتوحة» ضد «بلاد الأرز».
وكان لافتاً حرْص الرئيس المكلف سعد الحريري على التأكيد بملاقاة العملية الاسرائيلية «التزام الحكومة اللبنانية بالموجبات الكاملة للقرار 1701 وان الجيش هو المعني بتأمين سلامة الحدود وبسط السلطة الشرعية على كامل الحدود، بما يتوافق مع مقتضيات الشرعية الدولية والقرارات المعلنة في هذا الشأن»، مضيفاً أن «الحكومة حريصة كامل الحرص على التزاماتها تجاه سيادتها وسلامة حدودها، وتأكيدها عدم خرق القواعد القائمة وفق القرار 1701»، لافتاً الى «ان ما يقوم به الجانب الإسرائيلي من خلال خروقه المستمرة للأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية يُشكّل مخالفة مكشوفة ومرفوضة لتلك القواعد (…)».
وعَكَس الموقفُ الرسمي الذي عبّر عنه الحريري استشعاراً بمخاطر المرحلة الجديدة التي تدفع في اتجاهها الخطوةُ الاسرائيلية، المرشّحةُ ان تستدرج بالحد الأدنى رفْعَ مستوى الضغوط الخارجية على بيروت في ما خص ملف «حزب الله» في غمرة اشتداد المواجهة الأميركية مع إيران وأَذْرُعِها في المنطقة وعلى رأسها الحزب، وبالحدّ الأقصى الانزلاق الى مواجهةٍ، رغم تضاؤل احتمالاتها، إلا أن من الصعب إسقاط خطر نشوبها تماماً ولا سيما في ضوء تلويح بنيامين نتنياهو أمس بـ«أن هناك احتمالاً جدياً لنتحرّك داخل لبنان».
وإذ تؤشر التطوراتُ جنوباً الى أن «وهْجَ» معركة الأنفاق، وبمعزلٍ عن مآلها، بات حاضراً في سلّة التحديات التي يواجهها لبنان، فإنّ المحكّ الفعلي لمدى استشعار السلطة السياسية بالمخاطر الكبرى المحيطة يبقى في مدى قدرتها على طيّ صفحة الفراغ الحكومي المستمرة منذ 24 مايو الماضي والإسراع في تأليف الحكومة لملاقاة الوقائع المتدحْرجة من الإقليم بما يُبدِّد المخاوف من وجود قرارٍ بوضْع لبنان في «فوهة» الصراع الكبير في المنطقة ومقايضاته المحتملة.
ومن هنا ساد الترقُّب لحظوظ صيغة الحلّ الجديدة – القديمة للمأزق الحكومي القائمة على توسيع التشكيلة المقترحة من 30 الى 32 وزيراً، في سياق البحث عن مَخْرج يُرضي الجميع لعقدة إصرار «حزب الله» على توزير أحد النواب السنّة الموالين له. وفيما تركّزت الأضواء على «نصاب» الداعمين لهذا الطرح الذي يؤيده فريق الرئيس ميشال عون وأعلن بري «مباركته المبدئية» له، في مقابل ما تردّد عن تحفُّظ الحريري عنه، فإن أوساطاً سياسية حاولت التحرّي عن «هنْدسة» التوازنات التي تضمرها صيغة الـ32 وإذا كانت ستتيح تفكيك «جوهر العقدة» المتمثل بعدم رغبة «حزب الله» بمنْح الثلث المعطّل لفريق عون الذي يرْفض ان يكون حل عقدة سنّة 8 آذار «من كيسه» بالتوازي مع عدم تسليم الحريري بأي شكل بتوزير أي من هؤلاء مباشرةً من حصة أيٍّ كان ولا مَن يمثّلهم من حصّته.
وفيما علمت «الراي» انه في الكواليس يجري طرْح اسم عثمان مجذوب كممثل محتمل عن النواب السنّة الستة على ان يكون من حصة رئيس الجمهورية في حال اقتصرت التشكيلة الحكومية على 30 وزيراً، فإن الأوساط السياسية ترى أنه بحال لم تنجح المساعي المتجددة في استيلاد الحكومة كـ«عيدية» قبل السنة الجديدة، فإن لبنان سيجد نفسه يلاقي استحقاقات مهمة بسلطة ناقصة وأبرزها القمة العربية التنموية التي يستضيفها في يناير المقبل.
(الراي)