استحالتان تحكمان الوضع اللبناني. الشعب الثائر على الطبقة السياسية لن يتراجع عن مطالبه ولن يخرج من الشارع الذي يعدّ فيه كل يوم مفاجأة للطبقة السياسية، والسلطة المتمثلة بقطبي التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي وتحديدا حزب الله لن تتراجع عن استمرار تمسكها بمقاليد الحكم وبالقرار السياسي. الطرفان يستخدمان كل انواع الاسلحة المتاحة في الصدام، فكيف تنتهي المواجهة؟
حتى اللحظة لا يملك احد في لبنان جواباً. الثابتة الوحيدة ان الشارع فرض نفسه العنصر الاقوى في المعادلة السياسية اللبنانية، من دون منازع، فيما بات السياسيون الحلقة الاضعف بامتياز، يبحثون عما يخرجهم من المأزق بأقل ثمن ولا يجدونه.
وفيما يرابض طلاب لبنان في الشوارع امام المؤسسات العامة الموضوعة في دائرة الاتهام بالفساد، في جديد حلقات مسلسل “الثورة”، من دون اي نية بالعودة الى لحظة ما قبل 17 تشرين الاول، يغرق السياسيون في البحث عن اقتراحات حلول تقيهم ” شر” الانتفاضة عليهم من جهة والانهيار الاقتصادي الذي يدق الابواب مهددا بسقوط الهيكل على من فيه. غير ان بحثهم هذا يبقى دون مستوى الحدث، إما عن سوء تقدير كونهم غير واعين حقيقة ما يجري ولم يستوعبوا ان المنتفضين تخطوا اقتراحاتهم هذه التي انتهى مفعولها مع انطلاق الثورة وان الرهان على تعبهم اثبت عقمه، ولا حل تالياً الا بالاصغاء الى صوتهم، او عن سابق تصور وتصميم ومن ضمن سياسة المكابرة التي يحترفونها والتي صدمت البلاد بالحائط مرات عديدة، لكنّ الصدمة اذا ما حصلت هذه المرة لا سمح الله، ستكون قاتلة، كما تقول مصادر سياسية مراقبة للمشهد اللبناني لـ”المركزية”. وتشير الى ان حزب الله يعاند في مربع تمثيله والتيار الوطني الحر سياسيا في الحكومة فيما يحذّر الرئيس سعد الحريري من هذا العناد ويؤكد للحزب مباشرة او عبر وسطاء انه قد يقود البلاد الى حيث لا يريد الجميع، وان كل تأخير في سماع مطالب الثوار بتشكيل حكومة تكنوقراط صافية في ظل الواقع الاقتصادي والمالي البالغ الخطورة سيستجلب الويلات، الا انه لم يجد حتى اليوم تجاوبا. وتبعا لذلك، تصبح المعادلة على النحو الآتي: لا حكومة مع حزب الله وشركائه ولا حكومة من دونهما. وهنا يكمن المأزق وتنحو الاوضاع نحو مزيد من الخطورة، في غياب سياسة عاقلة حكيمة تدير الازمة وتضع حداً للانزلاق الطوعي نحو الانهيار، فهل هذا المطلوب؟
وتشدد على ان الطروحات الترقيعية وتلك المفخخة التي ما زال بعض من في السلطة يعتقد انها قد تشكل خشبة خلاص، “يكمن لها الشارع على الكوع”، لردّها، ذلك ان اي حكومة فيما لو شُكلت باتت تحتاج بعد “الثورة” الى ثقتين، ثقة المجلس النيابي وثقة الشارع، وهي اذا مرت في المجلس قد لا تمر في الشارع والعكس، اذ ان المشهد المليوني الذي عمّ لبنان طوال 22 يوما بات يتمتع بشرعية توازي على الارجح شرعية المجلس النيابي ولم يعد في قدرة السياسيين تخطيه.
وما يزيد المأزق صعوبة، بحسب المصادر، ان حزب الله، وفي ضوء ما تشهده الساحة العراقية من انتفاضة ضد ايران، لن يكون في وارد التراجع في لبنان او تقديم تنازلات ، ذلك ان اي تنازل هنا سيفترض آخر هناك، فتخسر طهران اوراق قوتها تباعاً، وهي ليست في هذا الوارد.
المصادر تشير الى ان جهة واحدة اليوم ما زالت تملك زمام المبادرة وقادرة على وضع حد لانزلاق البلاد نحو الاسوأ، هي رئاسة الجمهورية القادرة على الضرب على الطاولة ووضع الجميع امام مسؤولياتهم وتخطي كل الحسابات الخارجة عن المصلحة الوطنية لمصلحة منع زوال الوطن عن الخارطة السياسية فهل تفعلها؟
المركزية