يتّجه لبنان يوم الجمعة المقبل إلى باريس، في «يدٍ» خطة تنص على استثمار 17.2 مليار دولار في البنى التحتية ويسعى الى أن يوفّر مؤتمر «سيدر 1» أكبر نسبة من تمويل المرحلة الأولى منها بـ 10.8 مليار دولار، وفي «يدٍ» أخرى مسار إصلاحاتٍ أُعطيت إشارة انطلاقته مع إقرار موازنة 2018.
ويأتي انعقاد المؤتمر، الذي ستكون فيه كلمة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كما لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، على وقع تَزايُد المؤشرات في بيروت الى أن العنوان – المالي الاقتصادي سيتحوّل حقل «ألغام» في الطريق إلى الانتخابات النيابية في 6 مايو المقبل وفي مرحلة ما بعدها بوصْفه أحد «الساحات» الجديدة التي قرّر «حزب الله» اقتحامها مُنْهياً خيار «إدارة الظهر» لها بحجة الأولويات الاستراتيجية، وذلك بعدما وجد نفسه في مرمى «نيران صديقة» من قلب بيئته «المحرومة» إنمائياً في مناطق كثيرة، وكذلك استشعاراً منه بأن «الخاصرة» المالية تشكّل مدخلاً لاندفاعة دولية متجددة يَخشى ان تكون «ملعباً خلفياً» لإكمال مسار محاصرته، وأيضاً لتوسيع دائرة «إمرته» الداخلية الى مختلف «حلقات» السلطة.
وفي حين يراهن لبنان عشية «سيدر 1» على النجاح في تمويل القدر الأكبر من حاجات المرحلة الأولى من البرنامج الاستثماري، فإن الرسالة الأبرز التي تعوّل بيروت عليها تتمثّل في تأكيد المجتمع الدولي (من خلال توقُّع مشاركة نحو 50 وفداً من دول ومنظمات) أن لبنان «ليس متروكاً» وأن الثقة بمستقبله قائمة بما يجعله وجهة جاذبة لاستثمارات القطاع الخاص ويعطي إشارة الى أن «مظلة الحماية» الأمنية – السياسية له ما زالت قائمة من «خلف ظهر» كل «مناخات الحرب» من حوله والتي لا يوفّر بعضها «ساحته».
وإذ تتّجه الأنظار إلى حجم المساهمات في تمويل البرنامج الاستثماري التي ستقوم بها دول الخليج ولا سيّما السعودية في ظل تزايُد الإشارات إلى قرب إعلان انتهاء مرحلة التحذير من السفر الى لبنان ترجمةً لقرارٍ خليجي بـ «العودة» إلى هذا البلد وعدم ترْكه «لقمة سائغة» للنفوذ الإيراني، فإن الترقُّب يسود أيضاً للإطار السياسي للدعم الدولي المتوقَّع والذي يرجَّح ان لا يخرج عما صدر في أعقاب مؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية الذي انعقد منتصف الشهر الماضي لجهة الدعوة لمعالجة مسألة سلاح «حزب الله» تحت سقف مناقشات الاستراتيجية الوطنية للدفاع التي التزم الرئيس اللبناني العماد ميشال عون باستئنافها بعد الانتخابات، وتطبيق سياسية النأي بالنفس التي تركّز على أدوار الحزب الخارجية وتالياً تعزيز مسار استعادة الدولة مفاصل القرار الاستراتيجي بصفتها «صاحبة السلطة الشرعية الوحيدة».
وفيما ستكون الالتزامات المالية التي ستُقدّم في باريس مربوطة برزمة الإصلاحات التي تعهّدت الحكومة اللبنانية القيام بها واستكمالها بعد الانتخابات، فإن دوائر سياسة ترى ان توقيت «سيدر 1» وبعده مؤتمر بروكسيل نهاية هذا الشهر (مخصص لدعم لبنان في تحمل عبء النازحين) يعطي إشارة واضحة إلى اطمئنان المجتمع الدولي لصمود التسوية السياسية (أنهتْ الفراغ الرئاسي) لمرحلة ما بعد استحقاق 6 مايو، موضحة أنه في المنطق نفسه يمكن القول ان تسييل نتائج هذه المؤتمرات سيبقى رهناً ببقاء «الستاتيكو» اللبناني ضمن حدود «ترسيمات التوازنات» الحالية في أعقاب الانتخابات.
على أن هذه الدوائر ترى ان إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «مقاومة الفساد» والتوعّد بملاحقة نتائج «سيدر 1» مشروعاً مشروعاً في الحكومة والبرلمان بالتزامن مع طرْحه علامات استفهام حول «الدين الجديد» الذي سيتحمّل لبنان عبئه وشنّ ونواب من كتلته هجوماً على إدارة «تيار المستقبل» (الرئيس الحريري) الملف المالي – الاقتصادي في البلاد، يعطي معنى إضافياً لسعي الحزب الى انتزاع ثلث معطّل صافٍ في البرلمان يرجّح ان يرغب في ترجمته على مستوى الحكومة المقبلة، بما يجعل شراكته بالقرار المالي – الاقتصادي ذات ثقل أكبر، وإن كان الهدف الأول من هذا «الفيتو» يبقى التحكّم باستحقاقات مفصلية ليس أقلّها الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي السياق نفسه تلاحظ الدوائر ان العنوان الاقتصادي طغى على المناخ الانتخابي في اليومين الماضييْن سواء على لسان نواب «حزب الله» أو الرئيس الحريري الذي كانت له زيارة امس للرئيس السابق للحكومة تمام سلام في بيروت غداة إعلانه لائحة «المستقبل» في البقاع الغربي – راشيا.
فالحريري، الذي شدّد من دارة سلام على وجوب رفع نسبة التصويت الى 75 في المئة «إذ كلما ارتفع الحاصل الانتخابي لَما فاز أحد منهم»، أكد أن «مؤتمر باريس هو لفرص العمل وسيكون هناك 900 ألف فرصة، وهذا الأمر الذي نريده، والدين لن يزيد بل سنستثمر بمشاريع لها نتائج ايجابية. وهذا مشروعنا، وغيرنا مشروعه الكذب وتقديم الوعود ووضع العصي بالدواليب». ودافع عن الحوار مع «حزب الله»، متسائلاً: «إذا لم نفتح حواراً مع«حزب الله» مع من نتحاور؟ مع«الحكيم» (الدكتور سمير جعجع) الذي نتفق معه استراتيجياً؟ الحوار يكون مع مَن نختلف معهم».
وكان رئيس الحكومة، الذي برز كشْفه انه سيصوّت لمصلحة إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة البرلمان المقبل في ردٍّ على اتهامات له بأنه شريك في مسارٍ لمحاصرة بري، أعلن من البقاع الغربي غامزاً من قناة نصر الله «هناك أناس تذكروا فجأة الوضع الاقتصادي والاجتماعي وأهمية البرامج الاقتصادية. وتذكّروا أن الدنيا ليست فقط سلاحاً ومسلحين وحروباً وعروضاً عسكرية، وان هناك مناطق محرومة»، وأضاف: «قبل 25 عاماً، كان كل مشروعهم عرقلة مشروع رفيق الحريري. وكانوا يفبركون ملفات بالتكافل والتضامن مع المخابرات السورية وأزلامها، الذين يرشحون اليوم منهم ديناصورات على لوائحهم في البقاع. نعم اتخذنا قراراً بأن نعيد زمن رفيق الحريري»، منتقداً «تجميع حلفاء بشار (الأسد) في لوائح من الشمال الى بيروت والجبل وصولا الى البقاع. فهذا النوع من اللوائح عنده أمْرُ مهمّةٍ يتمثل بترجمة الحرب في سورية بالانتخابات النيابية في لبنان. وطويلة على رقبة أي شخص، أو أي لائحة أن تخطف قراركم».
(الراي)