استفقنا في أحد الصباحات، ووجدنا أحد العمال الفيليبينيين منتحراً شنقاً في ورشة العمل». هذا ما قاله أحد الموظفين في شركة «سعودي أوجيه». هل هذه نكتة؟ «لا» يقول الموظف. «هناك عاملان من الجالية الهندية لقيا المصير نفسه». ألهذه الدرجة وصلت حال العمال في الرياض؟ «وأكثر».
وما هو أكثر من الموت وأعظم منه؟ «طعم الذل». هذا، باختصار، المسلسل الذي عاشه موظفو «أوجيه» في المملكة العربية السعودية، منذ بداية الأزمة المالية والحصار السياسي. لكن بعيداً عن الجانب السياسي، هناك جانب إنساني لا يأخذ حقّه من الإضاءة عليه. حوالى 3500 عامل لبناني، منهم من عاد، ومنهم من لا يزال عالقاً في الرياض لا يجدون من يواكبهم أو يساعدهم في المطالبة بحقوقهم.
عبثاً يحاول هؤلاء الموظفون الوصول إلى أحد. الرئيس سعد الحريري «مشغول دائماً». أما وزير الخارجية فغير قادر على استقبالهم، وقد وعد مكتبه بالاتصال بأعضاء اللجنة «متى سمحت الظروف».
الموظفون «ممنوعون» حتى من التظاهر للمطالبة بحقوقهم، وهو أمر واجهوه حين تظاهروا على مقربة من منزل الرئيس الحريري في وادي أبو جميل، وقصر مجدليون في صيدا. ما هي الخيارات إذاً؟ تقول لجنة المتابعة إنها في صدد «رفع السقف بعد الأعياد». يتمّ التحضير لـ«تظاهرة على أبواب وزارات العمل والتربية والصحة والخارجية، وربما أمام قصر بعبدا لأن الوضع لا يحتمل». معظم من عادوا من الرياض لا عمل لديهم. هم الآن في عداد العاطلين من العمل، بعدما اضطروا للعودة الى لبنان، بلا رواتب ولا تعويضات نهاية الخدمة، حتّى إن عدداً منهم ترك كل شيء خلفه. بيوت وأثاث وسيارات ذهبت كلّها نتيجة عدم سداد فواتيرها حتى النهاية.
بحسب اللجنة، «دفع الموظفون ثمن تخلّي الدولتين اللبنانية والسعودية عنهم». كيف حصل ذلك؟ حين بدأت التظاهرات في المملكة وقطعت الطرقات، تحركت وزارة العمل السعودية بأمر من الملك سلمان بن عبد العزيز لتولي الأمر، والتكفل بدفع الرواتب المتأخرة ولملمة أعمال الشغب. آنذاك، تحركت السفارات الأجنبية لتحصيل حقوق الموظفين من جاليات مختلفة، وضغطت للحصول على تعهدات بدفع الرواتب والتعويضات مقابل إخراج جالياتها في الرياض، بعد تأليف لجنة ضمت أعضاء من وزارتي العمل والمالية والسفارات وشركة «سعودي أوجيه». أما السفير اللبناني في المملكة، فرفض تعيين محامٍ لمتابعة أوضاع العمال اللبنانيين بحجة أن «لا ميزانية تسمح بذلك». في ذلك الوقت، بدأ العمال يواجهون حصار البنوك التي منعتهم من سحب أي أموال مجمّدة، وشركات التأمين التي جمدت البوالص، حتى الصحية منها. وازداد الحصار حين طالبت المملكة العمال بالبحث عن كفيل آخر، أو مغادرة أراضيها، من دون أي حقوق. حينها اضطر عدد منهم الى ترك كل شيء، أو بيع ممتلكاته بأرخص الأسعار والعودة. من بين هؤلاء من يعاني أزمات صحية ولا يجد من يتكفل بعلاجه. وفي هذا الشهر الذي ينشغل فيه الرئيس الحريري بالاستقبالات والإفطارات، صدر عن الحملة الوطنية لتعقب وضبط مخالفي أنظمة الإقامة في المملكة، تعميم للعمال اللبنانيين بعنوان «اترك بصمة جميلة». ويطالب التعميم بأن «يبادر الوافد المخالف إلى المغادرة من تلقاء نفسه وعلى حسابه الخاص خلال مهلة محدّدة تعفيه من الرسوم والغرامات المترتبة على بصمة مرحّل، حيث بإمكانه العودة إلى المملكة بطريقة نظامية». ويعني هذا أن حوالى 700 موظف جدد سيعودون إلى لبنان لينضموا إلى قافلة العاطلين من العمل والمجردين من أي حقوق أو مستحقات. فهل سيتولى الرئيس الحريري توظيفهم على غرار ما فعل مع حوالى 100 موظف حظوا بوظيفة داخل التيار أو مؤسسات الدولة؟ أم أنهم سيتركون يواجهون مصيراً مجهولاً، في ظل استمرار الحريري إدارة ظهره لهم، وتخلّي الدولة اللبنانية عنهم؟ للمفارقة، دعت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها الدوري أمس إلى «تلبية حقوق المواطنين»، فهل سمع نوابها بموظفي «سعودي أوجيه» المشردين؟
(الاخبار)