بعد الاشتباك الإسرائيلي – الإيراني الأخير، لا يزال القلق يلف الوضع في المنطقة. حتى الآن، بحسب مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، فإن أي تطور جديد سيحصل فوق الأراضي السورية كونها ساحة مفتوحة، وهذا أيضاً ما كان يحصل سابقاً، والجبهة اللبنانية تبدو هادئة.
وتفيد المصادر، أن مطلب إسرائيل في سوريا، هو عدم وجود ميليشيات تابعة لإيران على حدودها أو على حدود الجولان الذي تحتله. وهو الأمر الذي تناقشه باستمرار مع الإدارة الأميركية ومع روسيا، الدولة الأكثر فاعلية في الوضع السوري. كما لا تريد وجوداً إيرانياً في هذه المناطق، وفي الآونة الأخيرة لم يعد الروس يصغون إلى إسرائيل في هذه النقطة، وكل فترة تحتل إيران أو الميليشيات التابعة لها مناطق قريبة من الجولان.
المشكلة الإسرائيلية الأخرى، هي أن تل أبيب لا تريد أن يمتلك «حزب الله» أسلحة نوعية، وتتهمه بأن لديه مصانع للأسلحة في سوريا وفي جنوب لبنان. كل الأطراف الدولية تُدرك تماماً أن شروط إسرائيل أساسية ولن تحيد عنها، ولذلك قد تستبعد الحرب الشاملة، لمصلحة سعيها إلى إقامة حزام يحيط بالجولان، بحيث تُبعد عنها الميليشيات الإيرانية، وتُبعد بالتالي فكرة أن تقوم هذه الميليشيات بنشاط مقاوم ضدها في وقت من الأوقات.
لا شك في أن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات لا سيما وأن التفاهم الروسي – الإسرائيلي حول الجنوب السوري لا يُنفّذ، ولا يلتزم به أي طرف. وفي كل الأحوال، لن تترك الولايات المتحدة إيران تؤثر في الملف السوري. وهذا الأمر يبدو من الآن وصاعداً محط اهتمام أميركي يلي مباشرة أولوية إنهاء «داعش» وسواء كانت هناك مصانع أسلحة في لبنان أم لا، فإن الاتهام بالنسبة إلى إسرائيل يُشكل سبباً أو حجة للتهديد بالضربة أو للقيام بها فعلاً إذا حصلت ظروف مؤاتية إقليمياً ودولياً.
وهناك مصادر ديبلوماسية لا تستبعد الحرب، وأن يكون لبنان جزءاً منها. والسبب يعود إلى أن «حزب الله» كان في السابق مشغولاً جداً بالحرب السورية، التي باتت الآن عملياً تكاد تقترب من نهايتها، وهي تقريباً محسومة بفضل التدخل الروسي، ولم يعد لدى الحزب وإيران ضغط تكريس قوة كبيرة تبقى متواجدة على الأراضي السورية وإدلب موضوعها منفصل، والغوطة يتم تدميرها للسيطرة عليها. الشرق السوري مع الولايات المتحدة وتركيا، والجنوب معروف. وهذا الوضع قد يعيد خلط الأوراق بالنسبة إلى الحزب وإيران، لناحية عدم ممانعتها بالحرب، خصوصاً أن مشاركة الحزب في الحرب السورية أفقدته شعبية وطنية. وإذا قام بالحرب ضد إسرائيل، بحسب اعتقاد المصادر، فإنه يعمل لاسترداد صفته كمقاوم للاحتلال الإسرائيلي ولوظيفته الأساسية في وجه العدو. فهو فقد شرعيته في ظل مشاركته في تلك الحرب، فهل يعمل لاستردادها عبر حرب شاملة؟. هذه المسألة تبدو غير واضحة حتى الآن، لا سيما أن البلاد على أبواب الانتخابات النيابية، والحزب يريد حصولها بأي ثمن وكلام أمينه العام حسن نصرالله الأخير حول الثروة النفطية وحمايتها، يريد من خلاله أن يدخل على خط النفط ليعطي لنفسه وظيفة جديدة في هذا المجال.
إلا أن مصادر ديبلوماسية أخرى، تستبعد التصعيد في المنطقة، إذ تعتقد أن ما حصل بين إسرائيل وإيران في سوريا انتهى، مع أن الخطر يبقى قائماً. لكن لم يعد الدخول في حرب مسألة سهلة، بل بات أكثر تعقيداً من السابق ويصعب على كل الأطراف تفضيلها كمنحى في التعامل مع القضايا، وليست لديهم مصلحة في ذلك. كذلك في ما يتصل بلبنان، ليست هناك من رغبة دولية في توريط لبنان وحده في حرب إقليمية. على أن كل الدول المعنية بالأزمة السورية ستقول كلمتها في أي حرب إقليمية بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، كما أن حل الأزمة السورية مرتبط بالوضع في المنطقة لا سيما في العراق وإسرائيل.
فضلاً عن ذلك، إن هناك توازن قوى في المنطقة ما يُعقّد اللجوء إلى الحرب. وأقصى ما يمكن فعله هو العمل الاستباقي الردعي، وإسقاط طائرة ليس أكثر. إذ إن العهد الذي جرى فيه خطف الطيار الإسرائيلي رون أراد قبل ثلاثين سنة لم يعد يشبه الوضع الحالي.
وعلى الرغم من جولة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في المنطقة، إلا أن ذلك لا يعني، وفقاً للمصادر، أن الحل لكل ملفاتها بات سريعاً. فالجولة تؤشر إلى الاهتمام الذي تبديه الإدارة الحالية بدول المنطقة بعد أكثر من سنة على تسلمها الحكم. وتؤشر أيضاً إلى أن هناك تغييراً في مقاربة الملفات عن الطريقة التي اتبعها الرئيس باراك أوباما الذي ابتعد عن ملفات المنطقة. الآن هناك شيء مختلف. إنها بداية اهتمام مع تهدئة، لكن من غير الواضح إلى أين يوصل. إلا أن ذلك يعتبر تطوراً في السياسة الأميركية. في المقابل روسيا تقف ضد حصول حرب بين إسرائيل وكل من إيران والنظام السوري.
(المستقبل)