التعديلات المطروحة على قانون «تجفيف مصادر تمويل حزب الله» الأميركي، أشاعت قلقاً واسعاً في أوساط المسؤولين اللبنانيين، الذين يخشون من لجوء الادارة الاميركية الى هذا القانون لاستهدافهم مالياً، تبعاً لحاجات سياساتها، ومن دون الاضطرار الى لصق أي اتهامات جرمية بهم سوى “التعاون” مع حزب الله، أي الحزب اللبناني الاكثر تأثيراً، الذي لديه حضور مباشر في الميادين المختلفة، بما في ذلك الدولة ومؤسساتها الدستورية وسلطاتها المحلية…
بهذا المعنى، يشعر الكثيرون أنهم محكومون بالعلاقة المباشرة مع حزب الله، وبالتالي سيكونون تحت سيف هذه التعديلات في حال إقرارها وتنفيذها، فما هو مطروح في مسودة التعديلات يسمح للإدارة الأميركية بوضع كل من ترتئيه على لوائحها، وهذا كاف، في الحالة اللبنانية القائمة، لحرمانهم من المعاملات المصرفية، كما يسمح لها بتنفيذ “برنامج مكافآت” ينتهك السيادة اللبنانية، ويشجّع على توسيع قاعدة “الجواسيس” أيضاً، ممن سيكونون مستعدين لتسريب المعلومات والعمل مباشرة مع الأجهزة الاميركية المعنية.
يقف رئيس لجنة شؤون العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إد رويس، (جمهوري ــ كاليفورنيا) وراء مشروع التعديلات المطروحة على هذا القانون، وهو عرض مسودتها على خبراء في وزارة الخارجية «لكنه وقع في مأزق عندما تسرّب إلى وسيلة إعلامية مقرّبة من حزب الله»، بحسب ما كتب الصحافي جوليان بيكييه على موقع «المونيتور». يشير بيكييه في مقاله (http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2017/05/c…) إلى أن «وزارة الخارجية لم تصدر بياناً للإقرار بدورها في القضية أو نفيه، فيما رفض رويس التعليق»، إلا أنه نتيجة هذا التسريب «اجتزأت مقالات عدة في الصحف اللبنانية، وربما شوّهت، مسودة غير منجزة لم تسمع بها سوى حفنة من الأشخاص في واشنطن، ولم يطّلع عليها سوى نزر يسير»، مضيفاً أن «كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إليوت إنغل (ديمقراطي ــ نيويورك)، الذي يُعدّ حليفاً بديهياً في مجال التشريعات حول العقوبات، لم يطّلع بعد على مشروع القانون المقترَح، كما يقول أحد معاونيه الديمقراطيين، فيما يعمل السناتور مارك روبيو (جمهوري ــ فلوريدا) على طرح مشروع قانون مماثل على مجلس الشيوخ».
محلياً، استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون منذ مدة وفداً من «مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان»، وحذر من أن مشروع القانون الأميركي المطروح «سيلحق ضرراً كبيراً بلبنان وشعبه». وبدا رئيس الجمهورية ميشال عون مرتاحاً أثناء لقائه رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه، الاسبوع الماضي. وأبلغ عون طربيه اهتمامه بهذا الأمر ومتابعته لهذا الموضوع، بالاستناد إلى العلاقات الجيّدة والمستقرّة مع الأميركيين التي يمكن من خلالها التوصّل إلى طريقة لمعالجة هذا الأمر.
وفيما يسجّل المراقبون غياب الحكومة ورئيسها عن متابعة هذا الأمر، لم يلمس بعض الوزراء اهتماماً بما طرحه وزير المال علي حسن خليل في مجلس الوزراء قبل أيام، شارحاً خطورة التعديلات الأميركية المطروحة والأثر السلبي الذي سيطال كل لبنان. يومها نوقش الأمر بين الوزراء لمدّة تقل عن 5 دقائق، من دون الاتفاق على الخطوات المستقبلية ولا على طريقة التصدّي، ولا على ضرورة تنسيق الجهود بين الأطراف المعنية.
ومن المقرر أن يزور وفد نيابي برئاسة النائب ياسين جابر الولايات المتحدة الأميركية، في الاسبوع المقبل. يقول جابر لـ«الأخبار» إن «زيارتنا تتضمن جدول أعمال ولقاءات عديدة في الكونغرس ومجلس النواب الأميركي، حيث سنشرح وضع لبنان الذي يطبّق حالياً القانون الأميركي، ما ينفي أي ضرورة لتشريعات جديدة قد تكون لها مفاعيل كارثية على الاقتصاد اللبناني”.
وفدان نيابي ومصرفي الى واشنطن لإجراء اتصالات مع الكونغرس
ويضيف: “أسوأ ما في الأمر أن الحديث المتواصل عن عقوبات جديدة يسيء إلى لبنان وإلى قطاعه المصرفي ويدفع المصارف المراسلة إلى القلق من التعامل مع المصارف اللبنانية». ويلفت إلى أن شرح وضع لبنان يتضمن الإشارة إلى الوضع الهشّ للاقتصاد اللبناني وإمكانية الانفجار من التشدّد الأميركي تجاه تطبيق القانون الأميركي.
وكان جابر ونواب آخرون قد التقوا عدداً من المسؤولين الأميركيين في الأمن القومي الأميركي، على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، وخلصت هذه اللقاءات إلى الطلب من النواب اللبنانيين البحث في هذا الموضوع مع أعضاء الكونغرس ومجلس النواب «لأننا لسنا مصدر هذه التعديلات».
على خطٍّ موازٍ، طلبت جمعية المصارف من مكتب المحاماة المكلّف من قبلها في الولايات المتحدة، DLA Piper، الاستحصال على مواعيد للقاء أعضاء في الكونغرس وفي مجلس النواب وفي وزارة الخزانة، بقصد عرض وجهة نظرهم. وبحسب مقال جوليان بيكييه، فإن جمعية المصارف أنفقت «200 ألف دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري لبذل جهود في الخفاء من أجل التأثير على الكونغرس لثنيه عن إقرار مشروع القانون، وكذلك في مسائل أخرى، بحسب ما ورد في السجلات عن مساعي مجموعات اللوبي».
يقول رئيس جمعية المصارف إن «موقفنا هو أن العقوبات المفروضة كافية ولا داعي للائحة إضافية. الهدف المطلوب محقق من اللائحة الحالية، فيما النتائج من التعديلات المطروحة ستكون سلبية على القطاع». رغم ذلك، يضيف طربيه: «لا داعي للقلق ولا داعي للنوم على الحرير. الزيارة التي سنقوم بها إلى الولايات المتحدة بالتزامن مع زيارة الوفد النيابي، من أهدافها إجراء لقاءات مع المصارف المراسلة التي تشكّل صلب الموضوع، وقد بدأت تسأل عن علاقتنا مع السلطات الأميركية».
المصارف تستغل المخاطر لتسوّق سلامة
حتى الآن، لم ترتقِ التحركات من جانب المعنيين في لبنان الى مستوى المخاطر المترتبة على إقرار التعديلات على القانون الاميركي. الأفظع أن حملة التجديد لحكم مصرف لبنان، رياض سلامة، سعت الى توظيف هذه المخاطر لتحقيق هدفها بالتجديد، علماً بأن تجربة سلامة لم تكن إيجابية عند صدور القانون الاساسي في العام الماضي، إذ سمح في حينه للمصارف بتطبيقه على كيفها، ولم يتحرك لفرض الضوابط إلا تحت الضغط، وشنّ حزب الله الهجوم الأوسع ضده، في حين انفجرت عبوة ناسفة تحت المقر الرئيسي لأحد أكبر البنوك. على الرغم من هذه التجربة، أبلغت جمعية المصارف رئيس الجمهورية ميشال عون، أخيراً، أن لديها مصلحة واقتناع بأن سلامة هو الرجل الذي يمكنه خدمة هذه القضية أكثر من غيره، وأنه لا يمكن الإتيان بشخص يتدرّب على هذا الأمر في هذا الوضع الاستثنائي.
(الاخبار)