فما هي الخلفيات المبكرة التي جاءت منها، أي عالم طفولتها الذي شكّل عقليتها الراهنة وقدرتها على العمل والإصرار القوي والعزيمة والنجاح الباهر في عالم الصراعات السياسية؟

السياسة والدين

ولدت أنجيلا من هورست كاسنر وزوجته هيرليند، وقد كان والدها عالم لاهوت بروتستانتي وملتزماً دينياً، أما والدتها فكانت معلمة وأصبحت عضواً في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، وربما كان ذلك تحفيزاً مبكراً للابنة للاهتمام بعالم السياسة.

غير أن الصورة المبدئية أن ميركل ومنذ صغرها اهتمت بعالمي السياسة والدين، هذا المزج الذي تجسد فيما بعد في عضويتها بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي أوصلها إلى موقعها الراهن لأربع مرات.

وهي طفلة مع عربة الأطفال

الأرقام واللغة

بالنسبة للمدرسة فقد أظهرت ميركل تفوقاً مبكراً، لاسيما تميزها الواضح في الرياضيات واللغة الروسية. وبعد إكمال دراستها، دخلت جامعة لايبزيغ، حيث درست الفيزياء من عام 1973 إلى عام 1978 وكان ذلك انعكاساً للاهتمام المبكر والتفوق في عالم الرياضيات والأرقام.

وفي عام 1978 انضمت إلى المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية لأكاديمية العلوم في برلين-ألديرزهوف، حيث حصلت في نهاية المطاف على الدكتوراه عن أطروحتها في كيمياء الكمّ سنة 1986 وظلت مرتبطة مع الأكاديمية كباحثة حتى عام 1990.

وفي الوقت نفسه كانت تخوض ميركل غمار العمل السياسي، لتمزج اللاهوت والفكر بالرياضيات والفيزياء، وذلك بنهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، لتنضم إلى حزب الصحوة الديمقراطي الجديد، الذي تم إنشاؤه في أعقاب ثورات عام 1989، والذي اتحد مع الحزب الشرقي، الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، عام 1990.

في سن الثالثة

عاشت ميركل طفولتها وصباها في منزل العائلة المكون من ثلاثة طوابق، صاحب السطح المتدرج والقرميد والنوافذ العلوية التي تشبه الأعين التي ترى كل شيء من بعيد.

كان ذلك المنزل المبكر بـ”تمبلين”، وهي بلدة صغيرة بالقرب من غابات براندنبورغ تعرف بجوهرة إقليم أوكيرمارك، تقع على بعد ساعة من برلين، وقد كانت الأسرة تشغل الطابق الأول من البيت، الذي قسم لاحقاً إلى مجموعة من الشقق.

عاشت ميركل السنوات الأولى هناك، في تلك المنطقة التي تبعد حوالي 80 كيلومتراً شمال برلين، حيث يقع مركز للتعليم الكنسي خارج المدينة ويُدرِّس فيه والدها. وكانت الأجواء تشبه العصور الوسطى ومشحونة بعالم اللاهوت والتصورات الدينية.

وارتحلت الأسرة عندما كانت ميركل في سن الثالثة عام 1957 إلى تلك المنطقة للإقامة بقرية كويتزوف بألمانيا الشرقية سابقاً. وفي سن مبكرة وهي في السادسة تقريباً، كانت أجواء الشرق قد انعكست على ميركل، عندما بني سور برلين العازل عام 1961. وكون والدها قسيساً ومديراً لمدرسة لوثرية، فقد عمل ذلك على تضييق الأحوال وشكل جزءاً من شخصيتها.

تلعب الكرة الطائرة في المدرسة الثانوية ببرلين 1972

 

الشرق.. ما الذي أكسبه لها؟

بشكل عام فقد كان ارتحال والدها شرقاً مريباً بعض الشيء، فلا أحد كان يرغب في ترك أجواء الغرب المنفتح والحريات، والسفر للإقامة في الشرق المختنق. لكن في المقابل فإن تلك البلدة التي عاشت فيها ميركل الطفولة تميزت بالسكون والصفاء الطبيعي وهي أمور نادرة.

أحياناً كان عليها أن تخفي هوية عمل والدها، حتى لا يتم مضايقتها بسبب الأب اللاهوتي، وبشكل عام فإن مناخ الشرق جعل ميركل إنسانة كتومة وصارمة وتقود أشياءها في الحياة بشكل عام بشيء من الحذر المطبق.

ومما عقد ظروف الأسرة أن والدتها المعلمة التي كانت تدرّس اللغتين الإنجليزية واللاتينية في ألمانيا الغربية، تم وقفها عن العمل بسبب زوجها رجل الدين وارتباطه بالكنيسة.

بالمدرسة الثانوية، في وسط الصف الثاني 1971